كيف يواسى المريض بمرض مزمن؟

 يجيب عن السؤال الشيخ محمد فايز عوض

السؤال

كيف يواسى المريض بمرض مزمن؟

الجواب

الحمد لله فالق الحبّ والنوى علم الجهر والنجوى، رفع درجات المرضى وجعل الثواب على قدر البلوى، وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله نبي الهدى وقدوة المرضى، وبعد

فإن المرض علامة حب الله للعبد ومن أحبه حفظه، ومن حفظه أجاب دعاءه، وأعطاه سؤاله وأدخله الجنة،

عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ»([1]) ..
وهو طريق إلى الجنة،

فعن عَطَاء بن أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى ، قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللهَ لِي ، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» . فَقَالَتْ: أَصْبِرُ ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا([2])

ويكفي إن مرض فصبر كان ثوابه عند الله بغير حساب. يقول تعالى:

(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10]،

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأَعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا عِنْدَهُ ، قَالَ:

«مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَلَا أَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ»([3]) .

والصبر عون من الله تعالى للعبد، فمن صبر أعين ومن لا صبر له لا عون له. يقول تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:153]،

المرض يكفر الله به الخطايا :

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»([4]) .

و عَنْ عَبْدِ اللهِ ابن مسعود – رضي الله عنه – قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ: «أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ» ، قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ «أَجَلْ ، ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ ، فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا»([5]) .

فضل عيادة المريض و مواساته  :

ومن حق المسلم على أخيه المسلم عيادته وزيارته ومواساته إن أصابه مرض و لا فرق بين المرض المزمن وغيره فالغاية واحدة لا تختلف بين أنواع المرض

عند كل مريض هدية ـ بل هدايا ـ من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم – الذي أرسله الله رحمة للعالمين ..

ومن هذه الهدايا المحفزة لزيارة المريض قول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

« مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ» ، فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ «جَنَاهَا»([6]) .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا»([7])

وقد ثبت في مواقف كثيرة من سيرته وحياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه زار أصحابه حين مرضوا، بل زار غلاما يهوديا ودعاه إلى الإسلام فأسلم ..

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ». فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَسْلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ:

«الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ»([8]) .

هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في زيارة المريض :

من هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في زيارة المريض أن يرقيه ويدعو له بالشفاء،

فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ:

«أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي ، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا»([9])

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – قَالَ:

«مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ : أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ ، إِلَّا عُوفِيَ»([10]) .

ومن هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إدخال السرور عليه وطمأنته ، والتحدث إليه بما ينفعه، والدعاء له بالشفاء، وتبشيره بالبرء من المرض، وتذكيره بالأجر الذي يلقاه العبد المبتلى، وذلك للتخفيف من معاناته، وتربيته على الصبر واحتساب الأجر،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ

«لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ فَقَالَ لَهُ لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ»([11])

وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما يقول ابن القيم: ( يسأل المريض عن شكواه، وكيف يجده ويسأله عما يشتهيه، ويضع يده على جبهته، وربما وضعها بين ثدييه، ويدعو له، ويصف له ما ينفعه في علته )

قال ابن القيم : ( ومن أعظم علاجات المرض فعل الخير والإحسان، والذكر والدعاء، والتضرع إلى الله والتوبة، والتداوي بالقرآن الكريم، وتأثيره أعظم من الأدوية، لكن بحسب استعداد النفس وقبولها ) ([12])

وهكذا نرى أن هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأكمل والأعظم أجراً، إضافةً إلى ما يترتب على المحافظة عليه من المحافظة على صحة البدن، وتقوية روابط أفراد المجتمع ..

نسأل الله تعالى أن يشفي مرضانا، ويمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبدا ما أحيانا.

 

 

 

 

([1]) أخرجه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) وأبو يعلى (4222)
([2]) أخرجه البخاري (5652) ومسلم (2576)
([3]) أخرجه البخاري (1469) ومسلم (1053)
([4]) أخرجه البخاري (5641) ومسلم (2573)
([5]) أخرجه البخاري (5647) ومسلم (2571)
([6]) أخرجه مسلم (2568) وأحمد (22806)
([7])أخرجه ابن حبان (2961) والترمذي (2008)
([8]) أخرجه البخاري (1356)
([9]) أخرجه البخاري (5675) ومسلم (2191)
([10]) أخرجه ابن حبان (2975) والحاكم (1272) والترمذي (2083)
([11]) أخرجه البخاري (3616) وابن حبان (2959)
([12]) الطب النبوي لابن قيم الجوزية 1/87