كيف يمكن للمسلم الحفاظ على الأمانة والصدق في تعاملاته اليومية؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

كيف يمكن للمسلم الحفاظ على الأمانة والصدق في تعاملاته اليومية؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

فإن الصدق و الأمانة هما من الأخلاق المتداخلة و المتكاملة؛ فمن كان صاحب صدقٍ فهو صاحب أمانة يقيناً، و من كان صاحب أمانة فهو كذلك من أهل الصدق حقاً؛ ولذلك ربط النبي صلى الله عليه و سلم بينهما في كثير من الأحاديث، وجعل عدم الاتصاف بهما علامة من علامات النفاق و العياذ بالله تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم : «أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ، كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ نِفاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ». متفق عَلَيْهِ. (1)

و من هذا المنطلق يمكن للمؤمن أن يحافظ على الصدق و الأمانة في حياته اليومية من خلال الصدق في كل الأحوال وتطبيق الأمانة في جميع حالاتها و صورها، كالأمانة في الأموال و الأنفس و الأعراض، و الشهادة و القضاء، و العلوم و المعارف و المراسلات و الترجمات، و حفظ الأسرار و الخصوصيات، و النصح لمن طلب النصيحة و المشورة، و غير ذلك من الصور و الحالات ، التي جاءت النصوص الشرعية لتؤكدها و تدعو إليها، و منها:

– قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾[النساء ٥٨]

– قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال 27] ، أي: ما ائتمنتم عليه، وكما قال صَلى الله عَلَيه وسَلم : “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ” (2)
– وقوله تعالى : ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [البقرة 283]

– وعن أَبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى الْمَرْأةِ وتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا». رواه مسلم (3)
– وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» (4)

فهذه هي أهم الصور و الحالات التي نعزز من خلالها خلقا الصدق والأمانة في حياتنا و تعاملاتنا اليومية

و بناء على ما سبق :
اعلم أخي السائل الكريم : أن المحافظة على الصدق والأمانة في كل صورهما و حالاتهما؛ يُشكِّل الدعامة الأساسية في حفظ المجتمع، و استقرار حياة الناس و تعاملاتهم اليومية؛ فلا بد من الالتزام بهما و تعزيزهما في حياتنا؛ و كل ذلك جاءت به الشريعة كما بينَا أعلاه، و الله الموفق

الهوامش :
1- صحيح البُخاريُّ: رقم (34) ، و صحيح مُسْلِم : رقم (58)
2- صحيح ابن حبان: رقم (4125)
3- صحيح مسلم : رقم (1437)
4- سنن الترمذي : رقم (٢٨٢٢)، و ابن ماجه :رقم ( 3745)

الشيخ عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

 عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ