كيف يمكن للمسلم أن يعزز الأمانة في تعاملاته اليومية؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

كيف يمكن للمسلم أن يعزز الأمانة في تعاملاته اليومية؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

يمكن للمؤمن أن يعزز هذا الخلق العظيم في حياته اليومية من خلال تطبيق الأمانة في جميع حالاتها و صورها و منها: الأمانة في الأموال و الأنفس و الأعراض، و الشهادة و القضاء، و العلوم و المعارف و المراسلات و الترجمات، و حفظ الأسرار و الخصوصيات، و النصح لمن طلب النصيحة و المشورة، و غير ذلك من الصور ، و كل هذه الصور و غيرها جاءت النصوص الشرعية لتؤكدها و تدعو إليها، و الله أعلم.

البيان و التفصيل :

تشمل الأمانة جميع مجالات حياتنا وجميع علاقاتنا، سواء أكانت مع الله أم مع الناس، ومن أهم الصور التي يعزز المسلم من خلالها الأمانة في تعاملاته اليومية مع الناس:

1- الأمَانَة في الأموال:

ومِن صورها: العفَّة عمَّا ليس للإنسان به حقٌّ مِن المال، وتأدية ما عليه مِن حقٍّ لذويه، وتأدية ما تحت يده منه لأصحاب الحقِّ فيه، كما في البيوع والديون والمواريث والودائع والرهون والعواري والوصايا وأنواع الولايات الكبرى والصُّغرى وغير ها
يقول تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾[النساء ٥٨]

2- الأمَانَة في الأنفس والأعراض:

فمِن الأمَانَة في الأعراض: العفَّة عمَّا ليس للإنسان فيه حقٌّ منها، وكفُّ النَّفس واللِّسان عن نيل شيء منها بسوء، كالقذف والغيبة، ومن الأمانة في الأنفس :كفُّ النَّفس واليد عن التَّعرُّض لها بسوء، من قتل أو جرح أو ضرٍّ أو أذى، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال 27] ، أي: ما ائتمنتم عليه،

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم قَالَ: “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ” (1)

3- الأمَانَة في الشَّهادة و القضاء و المحاكمات :

وتكون الأمَانَة في الشَّهادة بتحمُّلها بحسب ما هي عليه في الواقع، وبأدائها دون تحريف أو تغيير أو زيادة أو نقصان. يقول تعالى : ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [البقرة 283]

4- الأمَانَة في المعارف والعلوم والكتابة و الترجمة و المراسلات و غير ذلك:

وتكون الأمَانَة في الكتابة بأن تكون على وفْقِ ما يمليه مُمليها، وعلى وفْقِ الأصل الذي تُنْسَخ عنه، فلا يكون فيها تغيير ولا تبديل ولا زيادة ولا نقص، وإذا كانت مِن إنشاء كاتبها فالأمَانَة فيها أن تكون مضامينها خالية مِن الكذب، والتَّلاعب بالحقائق، ونسبة الأقوال إلى أصحابها، وعدم انتحال الإنسان ما لغيره منها… إلى غير ذلك. و لذلك طلب النبي صلى الله عليه وسلم من زيد بن ثابت رضي الله عنه تعلم لغة يهود لأنه لا يأمنهم على كتابهم حيث قال له: “يَا زَيْدُ، تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ، فَإِنِّي وَاللهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي ، قَالَ زَيْدٌ: فَتَعَلَّمْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ، مَا مَرَّتْ بِي خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ إِذَا كَتَبَ “(2) رواه الإمام أحمد

5- الأمَانَة في الأسرار و الأحاديث التي يُستأمن الإنسان على حفظها وعدم إفشائها:

مثال: الرجل و صديقه أو بين الرجل و زوجه و غير ذلكفعن أَبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى الْمَرْأةِ وتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا». رواه مسلم (3)

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أنه قَالَ: « خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا ضَرَبَنِي ضَرْبَةً، وَلَا سَبَّنِي سَبَّةً، وَلَا انْتَهَرَنِي وَلَا عَبَسَ فِي وَجْهِي، وَكَانَ أَوَّلُ مَا أَوْصَانِي بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا بُنَيَّ، اكْتُمْ سِرِّي تَكُ مُؤْمِنًا»، فَكَانَتْ أُمِّي وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلْنَنِي عَنْ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أُخْبِرُهُمْ بِهِ، وَمَا أَنَا بِمُخْبِرٍ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا أَبَدًا، ».(4)

6- الأمَانَة في النُّصح والمشورة:

ومِن صور الأمَانَة أن تنصح مَن استشارك، وأن تَصْدُق مَن وَثَقَ برأيك، فإذا عرض عليك أحدٌ مِن النَّاس موضوعًا معيَّنًا، وطلب منك الرَّأي والمشورة والنَّصيحة، فاعلم أنَّ إبداء رأيك له أمانة، فإذا أشرت عليه بغير الرَّأي الصَّحيح، فذلك خيانة

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» رواه الترمذي وابن ماجه (5)
هذه هي أهم الصور و الحالات التي نعزز من خلالها الأمانة في حياتنا و تعاملاتنا اليومية

بناء على ما سبق :

اعلم أخي السائل الكريم : أن المحافظة على الأمانة في كل صورها و حالاتها؛ يُشكِّل الدعامة الأساسية في حفظ المجتمع، و استقرار حياة الناس و تعاملاتهم اليومية؛ فلا بد من الالتزام بها و تعزيزها في حياتنا؛ و كل ذلك جاءت به الشريعة كما بينَا أعلاه، و الله الموفق

المصادر و المراجع :

1- صحيح ابن حبان: [5\127] رقم (4125)
2- مسند الإمام احمد : [35\490] رقم ( 21618)
3- صحيح مسلم : [4\157] رقم (1437)
4- البيهقي في السنن الكبرى: برقم (13009) [6\574]
5- سنن الترمذي [5\125] رقم (٢٨٢٢)، و ابن ماجه : [2\ 1233] رقم ( 3745)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ