كيف يمكن للعوام أن يفهموا الأحاديث؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

كيف يمكن للعوام أن يفهموا الأحاديث؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

العلم أداة الفهم؛ وحُسن الفهم يورث حسن العمل والتطبيق. فمن لا علم له؛ لا صِحَّةَ فهمٍ له ولا حُسنَ عملٍ، ولا تطبيقٍ صحيح.

فأنَّى لمن جَهِلَ مبادئَ وأساسيات علمٍ أو تخصصٍ ما -وهذا هو العامي الآن في العرف- أن يتكلمَ فيه ويفهمَه على وجهه!؟ هذا لا يكون، ولا يمكن أن يقبله عاقلٌ في أي تخصصٍ من العلوم الكونية، كالطب والهندسة والاقتصاد وغيرها..، فكيف بالعلوم الشرعية التي مرجعها الوحي، والتي هي-بالنسبة لنا نحن المسلمين- دين!؟

فلابد -إذن- أن تُؤخذ هذه العلوم عن أهلها، وهذا ما أمر به الله تعالى فقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل 43]

ومن رحمة الله تعالى بهذه الأمة؛ أنه لم يكلّفْها كلَّها بالتَّعلمِ و التَّفقّه في الدِّين؛ لما في ذلك من حرجٍ و مشقةٍ على عوّام المسلمين، بل لا يمكن ذلك منهم -أصلاً – و لا يستطيعونه؛ و إنما وقع التكليف و الأمر على طائفة أو فئة منهم، فقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة 122]

و على هذا؛ فالعامي الذي لا علمَ له و لا دِرايةَ بمبادئِ علمِ الحديث روايةً ودرايةً، أو سنداً و متناً، و لا علمَ له أيضاً بمعاني المصطلحات، و لا دِلالةِ الألفاظِ، و لا الناسخِ من المنسوخ من الأحاديث، و غير ذلك مما يترتب عليه فهمُ الأحاديث و العملُ بها؛ كيف له أن يفهمَها !؟

لذلك لا بد للعوامِّ من الرجوع إلى العلماء، و أصحاب الشأن، و أهل الذكر في هذا العلم، حتى يتعلموا و يفهموا، ثم يعملوا و يطبقوا ..
وواجبٌ على العلماء شرح هذه الأحاديث و تبسيطها، و توضيح ما ترشد إليه من فوائدَ و أحكامٍ؛ ليسهل على العَوامِّ العملُ بها؛ فلا يستشكلُ عليهم شيءٌ منها، كما روى البخاري عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ؟» (1) وعَنْ أَبِي قِلَابَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: «لَا تُحَدِّثْ بِحَدِيثٍ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْرِفْهُ يَضُرَّهُ وَلَا يَنْفَعْهُ» (2)

وعَنِ عبد الله بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: «مَا حَدَّثْتَ قَوْمًا، حَدِيثًا لَا يَعْرِفُونَهُ إِلَّا كَانَ فِتْنَةً عَلَى بَعْضِهِمْ»(3)

و هذا الكلام ينطبق على الغالبية العظمى من الأحاديث النبوية الشريفة، و هناك بعض الأحاديث الواضحة تماماً، التي لا يخفى معناها، و لا يلتبس فهمها، و التي تدعو إلى الفضائل و الآداب -مثلاً-؛ فهذه يمكن لبعض العوام أن يفهموها و الله أعلم

و أقول -أخيراً-: لا ينبغي أن يُفتحَ البابُ و يُسمحَ لكلِّ مَنْ هبَّ و دبَّ، أن يتكلَّمَ و يشرحَ كلامَ النبي صلى الله عليه و سلم مِن عوامِّ هذا العصر  على حسب فهمه القاصر، و خاصةً من أولئك المُتعالمين و المتطفّلين على علوم الشريعة، والمتجرئين على حِمَاهَا، و إنْ كانوا على درجةٍ عاليةٍ من العلم و الفهم في تخصصاتهم الدنيوية؛ و إلا لرأينا العجائب و المصائب، كما هو حاصلٌ الآن، نسأل الله تعالى الهداية و التوفيق للجميع و الحمد لله رب العالمين

المصادر و المراجع :

1- صحيح البخاري : [1\37] رقم (127)
2- كتاب جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر: [1\540] رقم (890)
3- كتاب جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر: [1\541] رقم (892)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ