كيف يمكن لقراءة القرآن أن تؤثر في حياتنا اليومية؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

كيف يمكن لقراءة القرآن أن تؤثر في حياتنا اليومية؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

مما لا شك فيه أن الطرق التي تُتيح للقرآن أثراً في حياتنا كثيرة، لكن

 أولها، وهو أهمها: أن نعلم ونحن نقرأ في المصحف أننا نتلوا كلام الله تعالى، ربِّ الناس، ملكِ الناس، إلهِ الناس؛ فهذا الشعور يمنح القرآن تأثيرًا فريدًا، ويخلق تواصلاً روحيًا مباشراً بين العبد وخالقه؛ يعزز التأثير العميق للقرآن.

ثانياً: يمكن للقرآن أن يؤثر في حياتنا؛ إذا سلكنا طريقةً صحيحةً في تلاوة سوره وآياته، وأفضل طريقةٍ للتلاوة التي تورث التأثر بالقرآن هي:

1- أن نقرأ كلام ربنا وكأننا المعنيون بالخطاب الرباني، وكأن الله ينادينا ويوجه أوامره إلينا، يبشرنا ببشائره ويخوفنا من بأسه وغضبه وأليم عذابه. سأل رَجُلُ عَبْدَ الله ابن مَسْعُودٍ فَقَالَ: اعهدْ إِلَيَّ، فَقَالَ: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ أَنْتَ الْمُحَدَّثَ، وإِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ‌فَأَرْعِهَا ‌سَمْعَكَ، ‌فَإِنَّهُ ‌خَيْرٌ ‌يَأْمُرُ ‌بِهِ، ‌أَوْ ‌شَرٌّ ‌يَنْهَى ‌عَنْهُ.

2- إذا شعرت أن قلبك قد تحرَّك عند قراءتك لآيةٍ من كتاب الله تعالى، فتوقف عند هذه الآية وكررها متفكراً في معانيها، أسمِعها قلبكَ مراراً، وأنفذها إلى فؤادك حتى تبلغ منتهاه، وتيقن أنك لو بقيت مع هذه الآية منتفعاً بها خيرٌ لك من قراءة سورٍ كثيرة غيرها، لأن الغاية من التلاوة هي صلاح النفس فربما كان هذا التوقف والتأمّل هو سبب نجاتك. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود: «لَا تَهُذُّوا الْقُرْآنَ، كَهَذِّ الشِّعْرِ، ‌وَلَا ‌تَنْثُرُوهُ ‌نَثْرَ ‌الدَّقَلِ، وَقِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، ولا يَكنْ هَمُّ أَحَدِكم آخر السورة. (1) (لَا تَهُذُّوا الْقُرْآنَ): أي لَا تعجلوا فِي التِّلَاوَة. والدَّقل: هو التمر. والدقل من التَّمْر أَو أَكْثَره لَا يلصق بعضه بِبَعْض فاذا نُثر خرج سَرِيعًا وتفرق وانفردت كل تَمْرَة عَن صاحبتها، شبّه قِرَاءَته لِلْقُرْآنِ بذلك لهَذِّهِ إياه. (2)

وقال بِشْر بن السَّرِي يبين أثر التفكر في كلام الله تعالى: «‌إنما ‌الآية ‌مثل ‌التمرة؛ كلَّما مضغتها استخرجت حلاوتها». (3)

3- أن نقرأ كلام ربنا سبحانه، وكأنه نزل لتوّه غضاً طرياً، أو كأننا نسمعه من فم المصطفى صلى الله عليه وسلم يتلوه علينا، وأن نتذكّر حال المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد أحاط به أصحابُه والقرآنُ ينزل عليه، وهو يتلوه بين أيديهم وفي الصلوات، وأن نستشعر سماعهم له وتأثرهم به، ونتذكر كيف بقي النبي صلى الله عليه وسلم يردِّدُ – ليلةً كاملة – قول الله تعالى: ﴿إن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: 118] حتى أصبح. (4)

ونستذكر ونتفاعل مع تلك اللحظة التي طلب فيها النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عبد الله ابن مسعود أن يقرأ عليه القرآن فقال: ” اقْرَأْ عَلَيَّ “، قَالَ: قُلْتُ: ‌أَقْرَأُ ‌عَلَيْكَ ‌وَعَلَيْكَ ‌أُنْزِلَ؟ قَالَ: ” إِنَّنِي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي ” فَقَرَأْتُ، حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنَابِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] قَالَ: رَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ دُمُوعًا. (5)

4- اقرأ كلام الله تعالى مرتَّلاً كما أمرك بقوله: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ ‌تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: 4]  وترنَّم عند تلاوته، وتذكر حال المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو يستمع لقراءة أبي موسى الأشعري وهو يتغنى بالقرآن، ثم يقول له: ” ‌لَوْ ‌رَأَيْتَنِي ‌وَأَنَا ‌أَسْمَعُ ‌قِرَاءَتَكَ ‌الْبَارِحَةَ، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ “. وتأمل رد أبي موسى على إعجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقراءته: “لَوْ عَلِمْتُ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا”. (6)  واستحضر قول رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ‌زَيِّنُوا ‌الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ “. (7)

5- وأنت تتلو كلام الله تعالى قف متفكراً، وحرّك قلبك عند آيات وعده ووعيده؛ فإذا مررت بآية فيها وعدٌ من الرحمن بالمغفرة والرزق والهداية، كقوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ‌لَهُمْ ‌مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 9] فسله أن يجعلك منهم، وأن يسلكك في سلكهم.

6- وإذا مررت بآيات الجنان والنعيم المقيم عش معها وكأنك وضعت رحالك في جنتك، قد ألقيت عن كاهلك نَصَبَ الدنيا وتعبَها، وشدةَ الحساب وأهوالَه، وتخيل نفسك تعيش حقاًّ بين أشجار الجنة وظلالِها، وأنهارُها تجري بين يديك ونعيمُها العظيم قد فزت به، تذكر هذا وأنت تقرأ قول الله تعالى: ﴿‌مَثَلُ ‌الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ﴾ [الرعد: 35]  اسأل ربك أن يجعلك من أهل الجنة التي قال الله فيها: ﴿‌مَثَلُ ‌الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد: 15]

7- وإذا مررت بآيات  النار والوعيد  والنكال، وما في جهنم من صنوف العذاب، تذكر أن هذا التهديد من الجبار القادر على كل شيء، خلق النار للعصاة، تذكر هذا وأنت تقرأ قول الله تعالى: ﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ ‌قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [إبراهيم: 49-51] وأنت تقرأ قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ ‌جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 56] وأنت تقرأ قول الحق سبحانه: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [الأعراف: 50-51] وتأمل وأنت تقرأ استغاثات من في النار وتمنيهِم أن لو ماتوا، حتى يتوقف ما هم فيه من العذاب: ﴿ ‌وَنَادَوْا ‌يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف: 77] واستغاثاتهم أن يخفف الله عنهم هذا العذاب المستمر ولو ليوم واحد: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ [غافر: 49] ﴿قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [غافر: 50] فيخاف قلبك ويرتجف فؤادك فرقاً؛ خشية أن تكون من أهلها، فتفزَعُ إلى ربك وتسأله العافية باكياً ضارعاً متذللاً.
وإذا لم يتحرك قلبك بعد كل هذه الأهوال والشدائد، والوصف الدقيق لصنوف العذاب، فابك على نفسك أسفاً وحسرة.

8- وأنت تتلو كتاب ربك، قف مليّاً وتأمل الصور التي يذكرها قصص القرآن، وهو يذكر قدرة القهار سبحانه، وغيرته على أنبيائه ورسله؛ فإذا ما مررت بقصة نوح وهو ينادي ربه: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ ‌أَنِّي ‌مَغْلُوبٌ ‌فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: 10] فماذا كانت النتيجة؟ ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر: 11-12] بثلاث كلماتٍ فقط (أَنِّي ‌مَغْلُوبٌ ‌فَانْتَصِرْ﴾ تغرق الدنيا بمن فيها من الكفرة ولا ينجو إلاّ أهل الإيمان.

 واستحضر مشهد الرحمة التي انطلقت من قلب  نوح عليه السلام – الأب الرحيم – وهو ينادي ابنه وأمواج الماء كالجبال: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ‌ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ [هود: 42] وتأمل جواب الابن المتغطرس وعُنجهيتَه وجهلَه، التي تسببت له بالهلاك: ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود: 43]

–  وإذا وقفت على قصة موسى عليه السلام في كتاب الله تعالى؛ تأمل في جداله لفرعون: ﴿وَقَالَ مُوسَى ‌يَافِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الأعراف: 104-105]

وتأمل شعور السحرة والإيمان يلامس أفئدتهم، بُعيد رؤيتهم الحق بيقين ماثلاً أمام أعينهم: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ﴾ [الأعراف: 117-120]

وتأمل في صور اليقين بالله عز وجل التي كان يحملها موسى عليه السلام: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا ‌لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: 61-62] وماذا كانت ثمرة هذا الإيمان وماذا كانت نتيجته ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ *وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾ [الشعراء: 63-66] وهكذا افعل وأنت تتلو كتاب الله تعالى مع كل مشهد وصورة وقصة تمرّ عليك.

 9- وأنت تتلو كتاب ربك تذكّر أجوراً تحوزها، وراحةً تشعر بها، وطمأنينةً تسكن فؤادك، مصداق قول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا ‌وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ ‌تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]

والحقيقة فإن أغلب آيات القرآن تحتاج منا أن نقف عندها متأملين متفكرين، وهذا الذي ذكرناه ما هو إلاّ نماذج وتدريبات عملية تعيد للقرآن أثره على حيواتنا.

ملحوظات تتعلق بتأثير القرآن

– إذا تأثر القلب بالقرآن؛ انعكس هذا التأثر على جميع مفاصل حياة الإنسان؛ لهذا لا بد من التركيز على آلية تأثير  القرآن في قلب الإنسان.

– هجر القرآن وترك قراءته، والتفاعل مع آياته لهو من أكبر الأسباب التي تحول بين القلب وتأثره المباشر بالقرآن، فهجر القرآن يبلِّدُ القلبَ ويجعله أقلَّ استعدادًا لاستقبال الهداية والتأثير فيه.

فالرجوع إلى قراءة القرآن من أسس التفاعل مع القرآن، فعلينا أن نعيد فتح صفحاته ونقضي وقتاً في قراءة آياته، فهذا سيتيح للكلمات الإلهية فرصةً للتأثير في قلوبنا.

الذنوب والمعاصي، والغفلة، والغرق في الانشغالات الدنيوية، عِللٌ وأسقامٌ تؤثر في حالة القلب الصحية، فإذا كان القلب ملوثًا بتلك القاذورات، فإنه يصبح أقلَّ قدرة على استقبال الرسائل الإلهية، والتأثير الإيجابي الذي يحمله القرآن. فاستجماع القلب، والتركيز العميق، والتأمل أثناء القراءة، يساعدان القلب على استيعاب الرسائل الروحية التي يحملها القرآن.

– الجهل بمعاني كلام الله تعالى، أو الفهم الضحل للنصوص القرآنية، وترك الاهتمام بتفسير الآيات؛ عائق كبير أمام القلب وتأثره بالقرآن. فكيف يتأثر القلب بكلام غير مفهوم؟! فتدبُّر القرآن، وفهم المعاني والدروس الرسائل العميقة التي يحملها يحفِّز القلب على التأثر بالقرآن.

– تشتت الذهن أثناء القراءة يجعلنا نمر على الدروس والعبر دون أن نتنبَّه لها، ويمكن أن يعالَج هذا التشتت، باختيار الأوقات الخالية عن الانشغالات لتلاوة كتاب الله تعالى، كما أن القراءة بصوت مرتفع يمكن أن تزيد من تأثير القرآن في القلب، حيث تعزز الأمواج الصوتية القوة العاطفية والروحية للنصوص القرآنية، وإيجاد تواصلٍ أعمق مع المضمون.

وأخيراً

إن تعزيز التأثير الإيجابي للقرآن على قلوبنا، بل في كل مفاصل حياتنا، وتعزيز الاتصال الروحي مع كلام الباري سبحانه، يحتاج منا اللجوء إلى الله تعالى أن يفتح مغاليق قلوبنا لاستقبال هداياته، كما يتطلب منا العودة إلى قراءته بتأمل، وتنظيف قلوبنا من دنس الذنوب، وتحسين فهمنا للمعاني القرآنية، وتخصيص وقتٍ للاستماع والتفكير في آياته.

إن تأثير القرآن في القلوب، وسلطانَه الروحاني الخفي عليها، وولايته المطلقة على مدارك الإنس والجن على السواء، وجاذبيته المضيئة لقلوب المهتدين والجاحدين جميعًا،  لهو واحد فقط من دلائل عظمته وإعجازه وصدق الله إذ يقول: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ ‌أَحْسَنَ ‌الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر: 23]

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1): ابن أبي شيبة: المصنف (5/420)؛ البيهقي: شعب الإيمان (2/360).
(2):  ابن قتيبة: غريب الحديث (2/254).
(3): الزركشي: البرهان في علوم القرآن (1/471).
(4): مسند أحمد (21388)؛ سنن ابن ماجه (1350).
(5): مسند أحمد (3606).
(6): صحيح مسلم: (793)؛ السنن الكبرى للبيهقي (4708).
(7): مسند أحمد (18494).

 

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.