كيف يمكن لطالب في الجامعة أن يكون كريمًا؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

كيف يمكن لطالب في الجامعة أن يكون كريمًا؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

الكرم و الجود و الإحسان و غيرها من الصفات الكريمة؛ هي مما يجب على المسلم أن يتحلى بها في كل صورها و في كل الأحوال
فالكرم مثلاً لا يمكن حصره فقط بالعطاء المادي؛ كإطعام الطعام و إنفاق المال على المحتاجين و إكرام الأهل والضيوف و الأصدقاء و غيرهم؛ بل يمكن أن يكون أعمَّ من ذلك ليشمل كل خلقٍ طيِّب كريم، و كل تعامل حسن مع الناس، و كل مساعدة أو إعانة أو عطاء معنوي أو مادي، و كل ذلك جاءت به النصوص الشرعية، قال الله تعالى: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج 77]

وعن أبي هريرةَ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَينَ الاثْنَينِ صَدَقةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وبكلِّ خَطْوَةٍ تَمشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ صَدَقَةٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.(1)

وعن أبي ذر جُنْدبِ بنِ جُنَادَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله، أيُّ الأعمالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ باللهِ وَالجِهادُ فِي سَبيلِهِ». قُلْتُ: أيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أنْفَسُهَا عِنْدَ أَهلِهَا وَأَكثَرهَا ثَمَنًا». قُلْتُ: فإنْ لَمْ أفْعَلْ؟ قَالَ: «تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ».(2) ، قُلْتُ: يَا رَسُول الله، أرأيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ العَمَلِ؟ قَالَ: «تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ؛ فإنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ». مُتَّفَقٌ عليه. (3)
وعَنْهُ، قَالَ: قَالَ لي النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحْقِرنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئًا وَلَوْ أَنْ تَلقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلِيقٍ». رواه مسلم. (4)

و على هذا، فيمكن للطالب الجامعي أن يكون كريماً من خلال الصور التالية:

أولاً – إكرام أصدقائه و زملائه في الدراسة مادياً ، إن كان موسراً ميسور الحال: كدعوتهم إلى طعام أو شراب، أو إعطائهم بعض المواد والمستلزمات الدراسية كهدية، و خاصة للفقراء منهم، و كتخفيف بعض الأعباء المادية الأخرى كرسوم الدراسة أو آجارات المساكن و مساعدتهم فيها و غير ذلك.

و هذه الصور من الأمور التي يُضاعف فيها الأجر و تدخل في إطار الإنفاق على طلاب العلم

ثانياً – مساعدتهم في دراستهم من الناحية العلمية : كإعادة شرح بعض المسائل أو تحضير المحاضرات؛ لتعويض ما فاتهم أثناء فترة غيابهم مثلاً، أو مساعدتهم في إنجاز المشاريع التعليمية و غير ذلك

ثالثاً – التحلي بالصفات الأخلاقية التعاملية العالية مع كل الناس، و خاصة مع من يتعامل معهم بشكل دائم كأصدقاء الدراسة و المعلمين: كالتواضع، و التناصح، و التعاون، و التسامح، و حسن الظن، و الأسلوب الحسن في الكلام و الابتسام ، و طلاقة الوجه، و غير ذلك

رابعاً – أن يخصص جزءً من وقته و مهاراته للأعمال الخيرية التطوعية لمساعدة الناس فيما يحتاجون إليه مما هو من اختصاصه: كالمساعدة الطبية للفقراء و غيرهم، أو المساعدة التقنية لمن يحتاجها من طلاب العلم في مجال الهندسات الإلكترونية و نظم المعلومات ..،

و أن يستمر على ذلك بعد التخرج؛ فيجعل للفقراء و المحتاجين نصيباً من عمله و تخصصه، و ذلك ابتغاء وجه الله تعالى و الله أعلم

و أقول -أخيراً-:  

ينبغي على كل مسلم -و خاصة طالب العلم- أن يسعى لأن يكون كريماً  ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فطرق الخير كثيرة، و أبواب الكرم واسعة، و عليه أن يستحضر قبل أي عمل النية الصالحة و الإخلاص لوجه الله تعالى، و الحمد لله رب العالمين

المصادر و المراجع :

1- صحيح البخاري : [4\68] رقم (2989)، وصحيح مسلم: [3\83] رقم (1009)
2- «الصَّانِعُ» بالصاد المهملة هَذَا هُوَ المشهور، وروي «ضائعًا» بالمعجمة: أي ذا ضِياع مِنْ فقرٍ أَوْ عيالٍ ونحوَ ذلِكَ، «وَالأَخْرَقُ»: الَّذِي لا يُتقِنُ مَا يُحَاوِل فِعلهُ. كما ذكر النووي في رياض الصالحين معلقاً على هذا الحديث في باب : بيان كثرة طرق الخير، صفحة (96) طبعة مؤسسة الرسالة عام1991
3- صحيح البخاري : [3\188] رقم (2518)، وصحيح مسلم: [1\62] رقم (84)
4- صحيح مسلم : [8\37]، رقم (2626)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ