كيف يستجلب المسلم الرفق والحكمة أثناء تعامله مع الخلافات العائلية؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

 كيف يستجلب المسلم الرفق والحكمة أثناء تعامله مع الخلافات العائلية؟

الجواب

الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله و على آله وصحبه ومن والاه، وبع:

يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم 21]
فمن خلال التفكر في هذه الآية الكريمة و استحضار المعاني التي دلّت عليها، يمكن للمسلم أن يستجلب الرفق و الحكمة في سائر شؤون حياته اليومية و منها الخلافات العائلية
فعن السيدة عائشة رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «إنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ في شَيْءٍ إِلَاّ زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَاّ شَانَهُ». رواه مسلم. (1)
فوجود المودة و الرحمة في الأسرة؛ يتطلب وجود الرفق في التعامل و الحكمة، و خاصة في حالة الخلافات العائلية، و هذا يتجلى من خلال مجموعة مهمة من الخطوات و التصرفات التي تساهم في حل الخلافات العائلية و من هذه الخطوات :

أولاً – لا بد من التأكيد على أهمية الخطوة الأولى في عملية الإصلاح و الاستقرار الأسري و هي وجود النية و الإرادة للإصلاح، كما قال تعالى : ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء 35]

ثانياً- الالتزام بالحقوق والواجبات تجاه كل طرف: وألا ينتظر كل طرف المقابل من الطرف الآخر، بل يضع في حسبانه أنه يتعامل مع الله وبالتالي لن يضيعه الله ولن يضيع حقه يقول تعالى : ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة 228]

ثالثاً – المعاشرة بالمعروف و الإحسان في التعامل و استحضار الحكمة والتوصية النبوية بالزوجات و كذلك بالأزواج
فعن أَبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلعٍ، وَإنَّ أعْوَجَ مَا في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فَإنْ ذَهَبتَ تُقيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإنْ تَرَكْتَهُ، لَمْ يَزَلْ أعْوجَ، فَاسْتَوصُوا بالنِّساءِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. (2)
وعن أَبي هريرة – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم: «أكْمَلُ المُؤمِنِينَ إيمَانًا أحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وخِيَارُكُمْ خياركم لِنِسَائِهِمْ». (3) ، فأولى الناس بحسن الصحبة و الرفق في التعامل هم أهل البيت و الأسرة، كالأم و الأب و الإخوة و الأزواج ثم أدناك أدناك كما جاء في الأحاديث

رابعاً- التغاضي والتغافل عن صغار الأمور وسفاسفها وعدم التفاعل معها بأي شكل (يكفي الإعراض عنها وتجنبها) ، وأما الأمور الكبيرة أو المؤثرة فلابد فيها من التناصح و التذكير و الوعظ بالحسنى

خامساً- إمساك اللسان و ضبط النفس ، كما قال تعالى : ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران ١٣٤]، والمسارعة فوراً إلى علاج حالة الغضب بالأمور التي دلنا عليها الشرع ، كتغيير الحالة و الهيئة و التعوذ بالله من الشيطان ، و الوضوء و غير ذلك

سادساً – المسارعة إلى الترضية في أقرب وقت عندما تهدأ النفوس، كحال أبي الدرداء مع زوجته رضي الله عنهما حيث قال لها : ” إذا رأيتني غضبت فرضني وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب (4)

سابعاً- المحافظة على أسرار البيت و العائلة وعدم إفشائها، وقد ورد الوعيد بذلك من النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يُفْشِي سِرَّهَا» (5)

ثامناً – تذكّر و إحصاء الصفات و الأفعال الإيجابية لكل طرف وقت الخلاف، و لا يكون الحال كما في الحديث .. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا  أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ”، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: “يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ  شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ” (6)

فعلى المسلم أن يراعي حق الله تعالى في علاقاته مع أهله، فإنما هي مسؤوليات و سيسأل عنها يوم القيامة، و ليستحضر دائماً و أبداً الرفق والرحمة في التعامل و ترجيح جانب الحكمة، كما بيناه أعلاه و الله أعلم

الهوامش:
1- صحيح مسلم: رقم (2594)
2- صحيح البخاري: رقم (3331) وصحيح مسلم : رقم  (1468)
3- سنن الترمذي : رقم (1162)
4- كتاب طبائع النساء ، لابن عبد ربه الأندلسي، صفحة (184)
5- صحيح مسلم : رقم (1437)
6- صحيح البخاري : رقم (29)

الشيخ عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

 عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ