كيف يتعامل المسلم مع مرضه المزمن؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

كيف يتعامل المسلم مع مرضه المزمن؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

المرض ابتلاء من الله عز وجل العليم الخبير، ابتلاءٌ ممن له الحكمة البالغة، ينزل بالعبد الصالح والفاسد، والطائع والعاصي.

وعلى المريض والمبتلى أن يبقى مستحضراً لهذه الأمور:

 المرض من أقدار الله تعالى، والعبد مع المرض بين حالين: إما أن يرضى بقدر الله ويصبر عليه، أو يتسخط ويتضجر ولا يرضى عن فعل الله فيه.

– فمن قابل أقدار الله تعالى – سواء أكانت أسقاماً أم هموماً – بالرضا والتسليم والصبر كُفِّرت سيئاته ورُفعت درجاته، وزِيد في حسناته؛ مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «‌مَا ‌يُصِيبُ ‌الْمُسْلِمَ ‌مِنْ ‌نَصَبٍ (تعب) وَلَا وَصَبٍ (مرض) وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ.». (1)

 كما أن الصابر على ذلك المرض لن يجد من ربه إلاّ الأجر والثواب، بل سيلقى ربه وليس عليه خطيئة؛ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ فِي جَسَدِهِ وَمَالِهِ ‌حَتَّى ‌يَلْقَى ‌اللَّهَ ‌تَعَالَى وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ». (2)
وعَنْ ‌أُمِّ الْعَلَاءِ قَالَتْ: «عَادَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَرِيضَةٌ فَقَالَ: أَبْشِرِي يَا أُمَّ الْعَلَاءِ، فَإِنَّ مَرَضَ الْمُسْلِمِ يُذْهِبُ اللهُ بِهِ خَطَايَاهُ ‌كَمَا ‌تُذْهِبُ ‌النَّارُ ‌خَبَثَ ‌الذَّهَبِ ‌وَالْفِضَّةِ”. (3)

– بل لن يجد الصابر الراضي بما نزل به من الألم والمرض والبلاء عند ربه إلاّ الجنة؛ ‌عن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: «قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ‌أَلَا ‌أُرِيكَ ‌امْرَأَةً ‌مِنْ ‌أَهْلِ ‌الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ. فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا». (4)

 ومما يخفف ثقل المرض أن يتذكر المريض أن أشد الناس بلاءً هم الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه، قال: «دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ: أَجَلْ ‌إِنِّي ‌أُوعَكُ ‌كَمَا ‌يُوعَكُ ‌رَجُلَانِ ‌مِنْكُمْ، قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ أَجَلْ، ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ، فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا.». (5)

 اشتغال المريض والمبتلى بالدعاء والتضرع وذكر الله تعالى يخفف عنه، ويساعد في حصول الطمأنينة في قلبه والسكينة في نفسه، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

– ومما يخفف عن المريض أن يستحضر قول رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‌” إِذَا ‌مَرِضَ ‌الْعَبْدُ ‌أَوْ ‌سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا.». (6)
ملحوظات تتعلق بالمرض

 يجب على المسلم أن يؤمن بالقضاء والقدر ، وبأن كل ما يحدث له هو بإرادة الله، وأن الله لا يقدّر لعباده إلاّ الخير، قال تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216].
وصدق من قال:  قدْ يُنعمُ الله بالبلوى وإن عَظُمت …. ويبتلي الله بعضَ القومِ بالنعم

 المرض وإن كان ظاهره مؤلمًا لكن قد يحمل في باطنه وجوها متعددة من الفضل والخير لمن يصبر عليه، ويرضى بمراد الله فيه، عَلِمَ ذلك من عَلِم، وجهل ذلك من جهل، فكم من محنة حملت في طياتها منح؛ فقد وعد الله تعالى من فقد بصره – وهل أشد من فقد البصر؟!-أن يعوضه الله الجنة، ففي الحديث الإلهي، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ قَالَ: «‌إِذَا ‌ابْتَلَيْتُ ‌عَبْدِي ‌بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ يُرِيدُ عَيْنَيْهِ». (7)

– من حكم الله تعالى في نزول البلاء والمرض أن الله تعالى يريد رفعة الدرجات لبعض عباده، إلاّ أنّ عبادتهم وأعمالهم الصالحة التي يعملوها لا تؤهلهم للوصول إليها، فيبتليهم الله تعالى بمرض فيرتقي بهم إلى تلك المنزلة التي كتبها لهم، قال صلى الله عليه وسلم: «‌إِنَّ ‌الْعَبْدَ ‌إِذَا ‌سَبَقَتْ ‌لَهُ ‌مِنَ ‌اللهِ ‌مَنْزِلَةٌ ‌لَمْ ‌يَبْلُغْهَا ‌بِعَمَلِهِ ‌ابْتَلَاهُ ‌اللهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ”. (8)

وأخيراً

هذه الأمراض التي تنزل بالناس من أقدار الله تعالى؛ فمن رضي بها نازلة من عند الله تعالى فله الرضا وأمر الله نافذ، ومن سخطها فعليه السخط وأمر الله نافذ.

ثمانية لابد منها على الفتى …. ولابد أن تجري عليه الثمانية
سرورٌ وهَمٌّ، واجتماعٌ وفُرْقة …. ويُسْرٌ وعُسْرٌ، ثم سُقمٌ وعافية

نسال الله العفو الكريم أن يجعلنا عند البلاء كما يحب ربنا ويرضى إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1): صحيح البخاري (5318).
(2): الحاكم في المستدرك (7879).
(3): سنن أبي داود (3092).
(4): صحيح البخاري (5652).
(5): صحيح البخاري (5648).
(6): صحيح البخاري (2996).
(7):  صحيح البخاري (5653).
(8): سنن أبي داود (3090).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.