كيف نقوي صلتنا بالنبي صلى الله عليه وسلم؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

كيف نقوي صلتنا بالنبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فهناك واجبات على المسلم يجب عليه أن يؤديَها تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون على صلة به واقتداء،

وهذه الواجبات تعد دليلًا واضحًا وبرهانًا ساطعًا على المحبة الكاملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالمحبة لا بد لها من دليل يدل عليها وبرهان يؤيدها، وإلَّا كانت دعوى باللسان ليس لها أصل في الجَنان؛ فمن أراد أن يختبر صدق محبته للرسول صلى الله عليه وسلم، فعليه أن يقيس نفسه بمقياس هذه الواجبات، فمن فعلها وقام بها فهو المحب الصادق، والمتبع الحقيقي ومن فرَّط فيها أو في بعضها فمحبته ناقصة بمقدار ما فرط في هذه الواجبات.

وهذه الواجبات هي:

1- الإيمان الجازم بأنه رسول الله حقًّا، وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين صدقًا، وأن دينه أكملُ الأديان وأتمُها، وأنه صفوة الله من خلقه، وأنه سيدهم وشفيعهم يوم القيامة؛ قال تعالى: ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف: 158]،                    وقال أيضًا: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [التغابن: 8].

وإيماننا بالنبي صلى الله عليه وسلم نابع من  الإيمان بالله سبحانه و تعالى لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي أمرنا بذلك؛ حيث قال:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) [النساء: 136]، والمقصود هو الاستمرار على هذا الإيمان وتقويته وزيادة اليقين به؛

2- طاعة النبي صلى الله عليه وسلم إذ هي سبب دخول الجنة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»([1])

إضافة إلى إنها موجبة لحب الله للعبد قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [ آل عمران الآية: 136]،  فمن أطاع نبي الله فهو في نعيم في دنياه وأخراه.

3- محبته والشوق إلى لقائه، وهذا من أكبر الأدلة على إيمان المرء به واليقين بصدقه، بل لا يُعتدُّ بإيمان المرء إلا إذا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قلبه، وتشوق إلى رؤيته، وجعل حبه أسبق من حب أهله وولده وماله والناس أجمعين؛

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ»([2]) .

وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»([3]) .

يقول النووي في شرحه الحديث: (قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يُرِدْ بِهِ حُبَّ الطَّبْعِ بَلْ أَرَادَ بِهِ حُبَّ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ حُبَّ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ طَبْعٌ وَلَا سَبِيلَ إِلَى قَلْبِهِ قَالَ فَمَعْنَاهُ لَا تَصْدُقُ فِي حُبِّي حَتَّى تُفْنِيَ فِي طَاعَتِي نَفْسَكَ وَتُؤْثِرَ رِضَايَ عَلَى هَوَاكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَلَاكُكَ هَذَا كَلَامُ الخطابى)

وقال ابن بَطَّالٍ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ :

الْمَحَبَّةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَحَبَّةُ إِجْلَالٍ وَإِعْظَامٍ كَمَحَبَّةِ الْوَالِدِ وَمَحَبَّةُ شَفَقَةٍ وَرَحْمَةٍ كَمَحَبَّةِ الْوَلَدِ وَمَحَبَّةُ مُشَاكَلَةٍ وَاسْتِحْسَانٍ كَمَحَبَّةِ سَائِرِ النَّاسِ فَجَمَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْنَافَ الْمَحَبَّةِ فِي مَحَبَّتِهِ)([4])

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء المؤمنين الصادقين المحبين له والمتشوقين لرؤيته فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا ، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي ، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ»([5]) .

و بمقدار المحبة في قلوب المؤمنين تكون قوة الصلة برسول الله عن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» ([6])

قَالَ أَنَسٌ : فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ».

قَالَ أَنَسٌ : فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ .

ومما يورث في النفس محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم استشعار ما يلي:

1. إحسانه صلى الله عليه وسلم إلينا – بعد إحسان الله – بتبليغ الرسالة ودلالتنا على الخير، وتحذيرنا من كل شر، فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، وأعظم إحسان إلينا بعد إحسان الله تعالى هو إحسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

2. عظيم حرصه صلى الله عليه وسلم علينا وعلى نجاتنا، قال تعالى في وصف رسوله صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128].وقال تعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [الكهف:6] وقال تعالى: (فلا تذهب نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) [فاطر:8].

وتأمل موقف رسول الله في يوم يشيب فيه الولدان، وتضع كل ذات حمل حملها، وتدنو الشمس من الرؤوس مقدار ميل، وأهل العزم من الرسل يقول كل واحد منهم في ذلك اليوم: نفسي نفسي، ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول: أمتي أمتي([7])،

3. ومما يعين على تحصيل حبه و تقوية الصلة به معرفة حياته و قراءة سيرته و شمائله صلى الله عليه وسلم ، فإن فيها من المواقف العظيمة ما لا يمكن حصره وذلك: من صبر وشجاعة في الحق ، وقوة يقين بالله، وكرم، وإيثار، وحلم، وأناة ، وغير ذلك.

4. ومما يعين على ذلك أيضا كثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم: لإنّ من أحبّ شيئاً أكثر من ذكره، ولا يغيب عن قلبه وخاطره، ويعيش معه مع البعد وهذا ديدن المحبين يلهجون بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم في كل أحوالهم ومجالسهم

وقد صحّ في الحديث أن المكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله   عليه وسلم يُكفَى همّه ويغفر ذنبه، عَنْ أَبِي بن كعب رضي الله عنه   قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ؟ قَالَ : «إِذًا يَكْفِيَكَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ»([8]) .

5. صحبة أحبابه ومحبيه صلى الله عليه وسلم ومحبتهم: وقد قال أحد المحبين:

 | تَقَرَّبْ لأقْوامٍ يَدينـــــــونَ وُدَّهُ |   | وباعــــدْ أُناساً قـد تَخَبَّــطَهُــمْ مَسُّ
| فإنَّ مُحِبَّ الحَقِّ يأوي لأهلِهِ |   | بلا رَيبةٍ والجِنْسُ يَعرفُــهُ الجِنْسُ

فمن جالس المحزون حَزِن، ومن جالس السعيد سَعِد، وهكذا جليس كل جماعة متأثِّرٌ بهم، فكيف بمن يجالس أحباب النبي صلى الله عليه وسلم لا شكّ أنه ستسري عليه من أحوال حبِّهم ويتحرّك الحب بقلبه ويتّقد لأن حديثهم ولسانهم لا يكون إلا بذكر وجمال محبوبهم صلى الله عليه وسلم ، ومحبة آل البيت الكرام و صحابته العظام  والصالحين الذين لهم صلة به صلى الله عليه وسلم

جعلنا الله من متبعيه و أحبابه لنفوز بحبه وشفاعته إنه جواد كريم

([1]) أخرجه البخاري (7280)
([2]) أخرجه البخاري (14)
([3]) أخرجه البخاري (15) ومسلم (44)
([4]) شرح صحيح مسلم للنووي 2/15
([5]) أخرجه مسلم (2364) وابن حبان (6765) وأحمد (8257)
([6]) أخرجه البخاري (3688) ومسلم (2639)
([7]) حديث الشفاعة أخرجه البخاري (44) ومسلم (193) ،
([8]) أخرجه أحمد (21632) وابن أبي شيبة (8798)

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965 

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها 

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان. 

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، 

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول 

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

 والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.