كيف نتكلم مع أولادنا عن موضوع جهنم وعقاب الله؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

كيف نتكلم مع أولادنا عن موضوع جهنم وعقاب الله؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد و على آله وصحبه أجمعين و بعد:

هذا الموضوع المهم يحتاج إلى تفصيل وتمييز من حيث المرحلة العمرية للطفل و من حيث الأسلوب الذي ينبغي استخدامه في كل مرحلة خلال الكلام عن العقاب و النار و غير ذلك

أولاً- لا بد لنا أن نفرّق بين مرحلتين عمريتين:

مرحلة ما قبل سن العاشرة و مرحلة سن العاشرة وما بعدها،  استناداً  إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أبْنَاءُ سَبْعِ سِنينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المضَاجِعِ». (1)

فمرحلة سن التمييز إلى العاشرة هي مرحلة التدريب والتعليم، ومرحلة سن العاشرة إلى البلوغ هي مرحلة التشديد في التعليم والتدريب والاستعداد للبلوغ و التكليف؛ فيعامل الأطفال معاملة البالغين في العبادات والأحكام وستر العورة و الحجاب وغير ذلك، إلا أنه لا جزاء عليهم ولا عقاب إذا قصروا، كما في الحديث عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ»(2)

و إنما المسؤولية في ذلك تقع على أولياء أمورهم، وقد عقد الإمام النووي بابا خاصاً في كتابه رياض الصالحين سمّاه : ” باب وجوب أمره أهله وأولاده المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى ونهيهم عن المخالفة وتأديبهم ومنعهم من ارتكاب مَنْهِيٍّ عَنْهُ”  ثم ذكر فيه الآيات و الأحاديث التي تدل على ذلك(3)

ثانياً – و لابد كذلك أن نفرّق بين أسلوبين:

بين الأسلوب العرضي غير المقصود لذاته و غير المباشر، و بين الأسلوب المباشر المقصود لذاته.

– ففي مرحلة ما قبل سن العاشرة: لا ينبغي استخدام الأسلوب المباشر المقصود لذاته في الكلام عن النار و العقاب، كأن يقال مثلاً للطفل في هذه المرحلة :” إذا لم تصلِّ فلن تدخل الجنة بل ستدخل النار، و إذا كذبت ستدخل النار و هكذا ..” وذلك لأنه ليس في مرحلة التكليف ولا مرحلة الاستعداد و التدريب عليها

بل نستخدم مع الطفل في هذ المرحلة الأسلوب العرضي غير المباشر أو التلميحي، و الذي يكون -غالباً- خلال عملية التعليم الشرعي و تحفيظ القرآن و الأحاديث، وبلا شك سيمرّ معه الكلام عن الجنة و النار و الثواب والعقاب و الوعد للمؤمنين والوعيد للكافرين و الفاسقين، ومعظم السور القرآنية القصيرة التي يتعلمها الطفل في هذه المرحلة؛ تتكلم عن ذلك .

فلا بد من الشرح و التوضيح أثناء التحفيظ والتعليم، كما في سورة الهمزة ، وسورة الدين و القارعة والمسد وغيرها الكثير

فيتم الكلام عن هذه المواضيع في سياقها الذي وردت فيه، دون إسقاطها على واقع الطفل أو الإشارة إليه، و دون التوسع أو التفصيل والزيادة فيها، مع مراعاة مستوى فهم الطفل

– و أما في مرحلة سن العاشرة وما بعدها: -التي هي مرحلة الاستعداد الحقيقي للتكليف و التدريب عليه بقوة- فلا مانع من الكلام مع الطفل بهذه المواضيع بشكل مباشر أو غير مباشر، مقصود أو غير مقصود، بالتلميح أو بالتصريح، و كل ذلك على حسب السياق، و على حسب ما تقتضيه الحاجة، و على حسب ما يناسب الفهم، دون التعمق و الزيادة،

و هكذا إلى مرحلة البلوغ و التكليف حيث ينبغي عندها الكلام عن هذه المواضيع بكل وضوح وتأكيد و تشديد، خاصة إن دعت الحاجة إلى ذلك في بعض الحالات، كعدم التزام الأولاد البالغين بالصلاة أو التساهل في الحجاب بالنسبة للبنات، و غير ذلك من الأحكام و العبادات، و الله أعلم

و على هذا؛ فينبغي على الآباء التزام الحكمة في الكلام عن هذه المواضيع، مع مراعاة المراحل العمرية للطفل، و ما يناسب كل مرحلة من أسلوب الكلام، كما بيناه أعلاه

و هنا أقول: لا ينبغي الاستماع إل أولئك المنبطحين على أعتاب “التنويرين” ومَن هم وراءهم، الذين يدعون إلى إسقاط الكلام عن النار و العقاب في كل الأحوال، بدعوى : “أن الله تعالى رحيم و أنه يحبنا ..” وغير ذلك من كلمات الحق التي يراد بها الباطل ، والحمد لله رب العالمين

الهوامش:

1- سنن أبي داود: رقم (495).
2- سنن أبي داود: رقم (4403).
3- رياض الصالحين للنووي، صفحة (115)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ