كيف أصنع إن لم أصل صلاة الوتر؟

 يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

كيف أصنع إن لم أصل صلاة الوتر؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ فإن صلاة الوتر من الصلوات التي ورد الترغيب فيها في عديد من الأحاديث النبوية، ولكثرتها فقد أفردها بالتأليف جماعة من أهل العلم، منهم الإمام محمد بن نصر المروزي (ت 294هـ) في كتابه «كتاب الوتر» الذي اختصره العلامة أحمد بن علي المقريزي (ت 845هـ) ومختصره مطبوع مشهور.

وحاصل الكلام في صلاة الوتر أنهم اختلفوا في حكمها، هل هي من السنن أم من الواجبات؟ فالحنفية قالوا بوجوبها، وقال الجمهور هي سنة مؤكدة.

[1] فأما مذهب الجمهور، في كونها سنة مؤكدة. فقد بوب الإمام النووي في (رياض الصالحين) (باب الحث على صلاة الوتر وبيان أنه سنة مؤكدة وبيان وقته)، واستفتحه بقول سيدنا علي رضي الله عنه قال: الوترُ ليسَ بحتم كصلاة المكتوبة، ولكن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا، يا أهل القرآن”، رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن(1).

ومما ورد من الترغيب فيها: عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا” متفق عليه(2). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أوتروا قبل أن تصبحوا” رواه مسلم(3).

وصلاة الوتر أفضل الرواتب عند الشافعية، وهي السنن التي لا تشرع لها الجماعة، كما قرره العز بن عبدالسلام في (مختصر نهاية المطلب) ونقل الخلاف في أيهما أفضل: الوتر، أم ركعتا الفجر، فيه قولان(4). على المذهب الجديد: أفضلهما الوتر، وعلى القديم: سنة الفجر أفضل. وفي وجه: أنهما سواء في الفضيلة، وقال أبو إسحاق المروزي: صلاة الليل أفضل من سنة الفجر، وقواه النووي(5).

[2] وأما مذهب الحنفية، فقد استدلوا على الوجوب بأحاديث منها: حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس ولا يجلس إلا في آخرهن(6)، وفي رواية: يوتر بثلاثٍ. وعن أبي العالية، قال: علمنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الوترَ مثل صلاة المغرب، غير أن نقرأ في الثالثة، فهذا وتر الليل، وهذا وتر النهار(7). وللشيخ عبدالغني النابلسي (كشف الستر عن فرضية الوتر).

وبناء على ما سبق، فمن فاتته صلاة الوتر بنوم أو نسيان، أو أخرها بنية صلاتها في قيام الليل، ثم نام عنها. هل يقضيها؟

[1] فأما على المذهب الشافعي ففي (التعليقة) للقاضي حسين المروزي: “فإن قلنا: يقضي، قال: متى يقضي؟ فأوجه: أظهرها أبدًا كالفرائض. والثاني: ما حكاه المزني أن ركعتي الفجر تقضيان ما لم يصل الظهر، والوتر ما لم يصل الصبح”(8). و قال العز بن عبدالسلام في سياق كلامه عن قضاء النوافل والرواتب: “وعلى قول: يقضي الراتبة ما لم يؤد الفريضة المستقبلة، فيقضي الوتر ما لم يصَلّ الصبح، فإذا صلاها فلا قضاء”(9). ولخص الأقوال السابقة الإمام النووي قائلا: “الرواتب التي بعد الفريضة، يدخل وقتها بفعل الفريضة، ويخرج بخروج وقتها. ولنا قول شاذ: أن الوتر يبقى أداء إلى أن يصلي الصبح. والمشهور: أنه يخرج بطلوع الفجر”(10).

[2] وأما على المذهب الحنفي جاء في (كتاب الأصل) لمحمد بن الحسن: “وقال أبوحنيفة: إذا صلى الرجل الفجر ولم يوتر ثم ذكر الوتر فعليه قضاء الوتر”(11). وفي (الحجة): وَقَالَ ابو حنيفَة رَحمَه الله فِي الْوتر: إن نسيهُ رجلٌ قَضَاهُ كَمَا يقْضِي صَلَاةً ينساها من الصَّلَوَات الْخمس، وإن مضى لذَلِك أيام. وَقَالَ أهل الْمَدِينَة: يقْضِي الْوتر مَا لم يصل الْفجْر فاذا صليت الصُّبْح فَلَا وتر”(12). وفي (اللباب): “وروى الترمذي: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا ذكره أو استيقظ”(13). وهذا أمر بالقضاء والأمر للوجوب، ومتى وجب قضاؤه وجب أداؤه”(14).

وعليه، فعلى المسلم أن يحتاطَ في أمور العبادات، فيحرص على أداء الصلاة في وقتها فرضاً كانت أو نفلا،ً ومن كان شافعي المذهب فالأحوط له أن يخرج من خلاف من أوجب الوتر وهم الحنفية، فيواظب عليها ما أمكنه، فإذا فاتته مع شدة محافظته عليها فلا بأس أن يقضيها قبل صلاة الصبح على المذهب، أو بعده عملاً بقول أبي حنيفة رحمه الله. نسأل الله أن يوفقنا لصالح الأعمال، وأن يتقبل منا صلاتنا وعبادتنا إنه أرحم الراحمين.

الهوامش:

1- النووي، رياض الصالحين: ص 335؛ سنن أبي داود، رقم 1416؛ سنن ابن ماجه، رقم 1169؛ سنن الترمذي، رقم 453؛ سنن النسائي: 3/ 228 و229.

2- صحيح البخاري، 1/ 127، رقم 472؛ صحيح مسلم، 1/ 517، رقم 751.

3- صحيح مسلم، 1/ 519، رقم 754.

4- العز بن عبدالسلام، الغاية في اختصار النهاية: 2/ 117.

5- الشاشي، حلية العلماء: 2/ 114؛ النووي، روضة الطالبين: 1/ 334؛ المجموع: 4/ 26.

6- سنن النسائي، 3/ 240، رقم 1717.

7- الطحاوي، شرح معاني الآثار: 1/ 293، رقم 1743.

8- المروزي، التعليقة: 2/ 970.

9- العز، الغاية في اختصار النهاية: 2/ 117.

10- النووي، روضة الطالبين: 1/ 337.

11- الشيباني، الأصل: 1/ 136.

12- الشيباني، الحجة على أهل المدينة: 1/ 194.

13- سنن الترمذي: 1/ 589، رقم 465.

14- المنبجي، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب: 1/ 168؛ السمرقندي، تحفة الفقهاء: ص 104.

[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)