كيف أحصل على البركة في مالي؟

 يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

كيف أحصل على البركة في مالي؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ نقول في الجواب عن هذا السؤال أسباب البركة في الرزق:

أما البركة، فقد اتفق اللغويون على أنها الزيادة والنماء، وفرقوا بين البركة والزيادة المجردة بأن البركة هي النماء من حيث لا يوجد بالحس ظاهرا، فإذا عهد من الشئ هذا المعنى خافيا عن الحس. قال العسكري: “ويوصف بها كل شئ لزمه وثبت فيه خير إلهي. وليس لضدّها اسمٌ معروف، فلذلك يقال فيه: قليل البركة، ولا يسند فعل البركة إلا إلى الله، فلا يقال: بارك زيد في الشئ، وإنما يقال: بارك الله فيه”(1).

فإذا ثبت هذا المعنى في البركة، فإن الرزق أي الكسب المادي الذي يكتسبه المسلم من عمله وكده، إما أن يكون مباركاً بهذا المعنى، أو عكس ذلك مما يكرهه كل أحد في ماله، ولحصول البركة في مال المسلم أسبابٌ، لخصها أهل العلم في الآتي:

السبب الأول:

تقوى الله تعالى. قال سبحانه: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق: 2-3]، قال المفسرون: “من حيث لا يرجو ولا يأمل”(2)، والتقوى هي: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، باتباع ما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر. وثمرة التقوى وردت في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والْأَرْضِ} [الأعراف:96].

السبب الثاني:

التوبة والاستغفار، آناء الليل والنهار، فقد قال نبي الله نوح عليه السلام فيما حكاه الكتاب العزيز على لسانه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارا} [نوح:10-12]. قال ابن كثير: “أي: إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه، كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبتَ لكم من بركات الأرض، وأنبتَ لكم الزرْعَ، وأدرَّ لكم الضرْعَ، وأمدَّكُم بأموالٍ وبنين، أي: أعطاكُم الأموالَ والأولاد”(3).

السبب الثالث:

صلة الرحم، فقد ورد في النصوص الشرعية الحث على صلة الرحم وأنها من أسباب سعة الرزق وبركته، وفي (صحيح البخاري): باب من أحب البسط في الرزق، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من سره أن يبسط له رزقه ، أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه”(4). وفي (جامع الترمذي) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر”(5).

السبب الرابع:

كثرة الصدقة، قال تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خيرالرازقين} [سبأ:39]. وأخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قال الله: أنفقْ يا ابنَ آدم أنفق عليك”(6).

السبب الخامس:

الرضا بما قسم الله وشكره تعالى على ما أنعم به، فقد تكفل الله للشاكرين بالزيادة، قال تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 7].

هذه من أهم الأسباب التي يبارك الله تعالى بها في رزق العباد، فعلى المسلم أن يسعى في طلب الحلال، وأن يجعل سعيه مصاحباً لهذه الأسباب حتى يبارك الله له في ماله، وينميه له، ويرزقه من حيث لا يحتسب. نسأل الله تعالى لنا ولإخواننا المؤمنين راحة البال، وسعة في الرزق الحلال، وحسن الخاتمة يوم المآل. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الهوامش:

1-   العسكري، معجم الفروق اللغوية: (ص 96).

2-   ابن كثير، التفسير: (8/ 147).

3-   ابن كثير، التفسير: (8/ 233).

4-   البخاري، صحيح البخاري: (3/ 73)، الحديث 2067.

5-   الترمذي، سنن الترمذي: (3/ 419)، الحديث 1979.

6-   البخاري، صحيح البخاري: (7/ 80)، الحديث 5352.

[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)