كيفية ستر عيوب المسلمين؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

كيفية ستر عيوب المسلمين؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

مبدأ الستر للمسلمين هو مبدأ عظيم، جاء به الدين لمراعاة كثير من المصالح على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع، ولأجله شُرِّعَ مبدأُ التناصح والوعظ بالحسنى، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل 125]

وقال صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحةُ» قلنا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ».(1)

فمن أهمية الستر على مستوى الفرد : أنّ فيه حفظاً لسمعة هذا المسلم، و إعانةً له على التوبة و الرجوع إلى الله تعالى، و إعطائه فرصةً للإصلاح و للاستقامة …

و لذلك جاءت الأحاديث الكثيرة بالحض على الستر، و منها:
قوله صلى الله عليه وسلم : «لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا في الدُّنْيَا إلَاّ سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ».(2)

و أما أهمية الستر على مستوى المجتمع :

ففيه حفظ للدين و للأخلاق، و منعٌ من انتشار الفاحشة من خلال إشاعتها وإعلانها و التحدث بها، و قد جاء الوعيد الشديد لمن يفعل ذلك يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور 19 ]

وأما عن كيفية الستر فيكون من خلال الأمور التالية:

1- التغاضي عن زلّات المسلمين، و كفِّ النظر و غضِّ البصر عن عيوبهم، و عدم تتبع عوراتهم؛ فإذا ما رأى أحدنا أخاه على معصيةٍ أو ذنبٍ فليكفّ بصره عنه، و لا يتابعه ببصره فضلاً عن أن يتتبع عورته و يتجسس عليه؛ و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم: «يا معشرَ مَن آمن بلسانه، ولم يدخل الإِيمانُ قَلبَهُ، لا تغتَابُوا المسلمين، ولا تَتَّبِعُوا عوراتِهم، فَإِنَّهُ مَن اتَّبَعَ عَوراتِهم يَتَّبِع اللهُ عورتَهُ، وَمَن يَتَّبِعِ اللهُ عورتَهُ يَفْضَحْه في بيته» (3) .

2- ينبغي ألا يتسرع في الحكم عليه، و أن يتأوَّل تلك الحالة، و يلتمس له العذر قدر الإمكان حتى يتأكد و يثبت عنده حقيقة الوقوع في المعصية، وصدور ذلك العيب منه

3- ألا يُشعره بأنه رآه على تلك الحالة من المعصية أو ذلك العيب، ثم يبادر إلى وعظه بالتلميح و التعريض في أقرب وقت مناسب مع مراعاة الحكمة و الأسلوب الحسن

4- أن يناصحه بالتصريح إن كان قد علم بأنه رآه و هو على تلك الحالة.
و ينبغي مراعاة شروط و ضوابط النصيحة: كأن تكون بالحكمة و الموعظة الحسنة، و أن تكون سراً ، مع اختيار المكان و التوقيت المناسب

5- ألا يُذكّره بعيبه، ولا يدعو عليه، و لا يوبّخه في كل مناسبة: عن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَتَبيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا،..». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.(4).

وقد أُتِيَ النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – برجل قَدْ شَرِبَ خَمْرًا، فقَالَ: «اضْربُوهُ»، قَالَ أَبُو هريرة رضي الله عنه [الراوي]: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، والضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوبِهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعضُ القَومِ: أخْزَاكَ الله، قَالَ: «لا تَقُولُوا هكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيهِ الشَّيْطَانَ».(5).

6- ألا يُحدِّث أحداً بما رأى، و كأن شيئاً لم يحدث

7- أن يدافع عنه في غيبته، و يصرف عنه سوء ظن الناس به قدر الإمكان

8- أن يشتغل بعيبه عن عيب أخيه

9- الدعاء لنفسه ولأخيه بالهداية والستر وحسن الخاتمة, و الله أعلم

و بناء على ما سبق :

فإن من حق المسلم على المسلم ستره و مناصحته و الأخذ بيده على طريق الهداية لا التخلي عنه و الوقوف ضده مع الشيطان و أحياناً المجتمع، و في ذلك سلامة و حفظٌ للأمة من إشاعة الفاحشة فيها كما بيناه أعلاه و الحمد لله رب العالمين

المصادر و المراجع :

1- صحيح مسلم: [1\35]، رقم (55)
2- صحيح مسلم: [8\21]، رقم (2590)
3- أخرجه أحمد : [4\420]. وأبو داود: رقم (4880)
4- صحيح البخاري : [3\93]، رقم (2152)، و صحيح مسلم: [5\123]، رقم (1703)
5- صحيح البخاري : [8\196]، رقم (6777)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ