قونية 2020: رحلة العلم والمعرفة والخدمة

 

يتدفق مئات الآلاف من الزّوار كل عام إلى قونية؛ لزيارة مثوى الشاعر والصوفي والباحث الكبير جلال الدين الرومي، أو كما هو معروف أكثر من قبل عشاقه (مولانا).

تبدأ الرحلة:

في الأسبوع الماضي، قام فريق  SeekersGuidance في استانبول  برفقة الشيخ د. محمود المصري بشدّ الرحال إلى مدينة مولانا لزيارة بعض عمالقة الماضي، وكذلك أحد كبار علماء عصرنا، فضيلة الشيخ صالح الغرسي.

وهنالك في ضواحي عاصمة الدولة السلجوقية العظيمة تقع مدرسة اشتهرت رغم تواضعها، بقيادة الشيخ صالح الغرسي. ولا يكتفي هذا المركز العلمي بأن يكون مصدراً للمعرفة الكبيرة، بل هو أيضاً سكن للشيخ وأسرته وطلابه.

أول ما دخلنا المدرسة استقبلنا بابتسامة لطيفة، ودُعينا لتناول وجبة متواضعة مع أحد العلماء.

كان أحد الدروس الأولى في الرحلة ملاحظتنا شيخنا د.محمود مصري كيف يأخذ الفرصة ويسارع إلى الخدمة؛ رأى في علم الشيخ صالح النفع فسارع بالطلب منه أن يفيدنا بتدريسه في دار الفقهاء.

بعد حوار يسير قرر المجلس أن يقوم الشيخ صالح الغرسي بتدريس أحد أهم الكتب المدروسة في علم المنطق، وذلك مجاناً للطلاب في جميع أنحاء العالم.

في صحبة العلماء تستطيع أن ترى همّتهم واهتمامهم لنشر الهدي النبوي، وكأن الدروس التي قرروها في ذاك المجلس كانت لتبدأ على الفور!

 

أن تكون شمعة هذا ليس بالأمر السهل، لأن هذا يعني أنك عليك أن تحترق أولاً لتنير درب الآخرين. (مولانا جلال الدين الرومي).

لا يزال علماء هذه الأمة يبذلون مجهودهم لضمان تمرير شعلة الهدي النبوي.

سألنا أحد طلاب الشيخ صالح عن مدة الدراسة في المدرسة، فأجاب: “هذا يعتمد عليك. فإنك لو شعرت بإتقان كتاب حينئذ ستنتقل إلى ما بعده، ولن تفعل ذلك هنا إلا بعد أن تفهمه فهماً تاماً”

إذا حاول طائر أن يطير قبل اكتمال أجنحته، فلن ينتهي به الأمر إلا كعشاءٍ للقطط. (مولانا جلال الدين الرومي).

أخبرنا أنه سافر كثيراً ولم يجد ما كان يقصده إلا في قونية، في هذه المدرسة التي تقدم للطلاب برنامجاً يستطيع فيه الطالب أن يدرس حسب سرعته وحاجته وفهمه، ويتابَع كل من الطلاب بمفرده، هذه المنهجية بعيدة جدًا وغريبة مقارنة بمعايير التعليم الحديثة.

يروى عن مولانا قوله: “إن كنت تقصد الشيء في غير محله فكأنك لم تقصده أبداً”.

 

بعد أيام، في طريق عودتنا إلى استانبول، قمنا بزيارة أخيرة إلى مولانا. ورأينا المكان الذي التقى فيه لأول مرة بشيخه شمس الدين التبريزي، ذلك المكان الذي يرسم في أذهاننا العلاقة بين المعلّم وتلميذه، تلك العلاقة التي تؤثر إلى يومنا هذا بثمارها وحِكَمها.

ويستمر هذا الإرث من التربية، من القلب إلى القلب، الذي يجمع العلم والمعرفة حتى يومنا هذا، في نفس المدينة التي فيها مولانا وأستاذه، عاشا وتوفيا.

وهل يسمى الحب ميّتاً لوقوعه في الأرض. (مولانا جلال الدين الرومي).

بفضل الله تعالى تستمر هذه الوراثة في مدرسة الشيخ صالح، كذلك في كثير من المعاهد الأخرى في تركيا.

تركتنا هذه الرحلة المليئة بالنور والهمة والعبر وقد أثّرت فينا التواضع والحماس لهذه الفرصة العظيمة لننتفع من هذا العلم المتوارث، من عالم جليل، دون أي تكلفة على الإطلاق.

 

يربط معهد دار الفقهاء بين علماء الإسلام من سوريا والأردن وتركيا وطلاب العلم من جميع أنحاء العالم.

 

سجل الآن في دورة مجانية: seekersguidance.org/dar-al-fuqaha-courses/