صلاة الاستخارة وحقيقتها (حنفي)

يجيب عن السؤال الشيخ د. باسم عيتاني

السؤال

صلاة الاستخارة وحقيقتها

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين؛
وبعد:

      حياة الإنسان مراحل ومحطات ووقفات، وقد تمر بالإنسان قضية لا يستطيع فيها أن يحدد فيها خياراته؛ لأنه لا يعلم أن هذا الخيار هو خير له في دنياه وفي آخرته أو ليس كذلك.

يريد أن يختار اختصاصاً للدخول إلى الجامعة فيكون أمامه اختصاصان وهو غير قادر على تحديد واحد منهما، أو عيّن اختصاصاً لا يعلم هل خير له أو شر له.

أو أقدم على خطبة فتاة ورآها فهو لا يعلم هل هذا خير له أو شر له في أن يكمل معها مسيرة الزواج…. والأمثلة من هذا النوع كثيرة في حياة كل فرد منا يعيش في معترك هذه الحياة.

      فيقع في حيرة لاتخاذ موقف صائب لضعفه وعجزه في معرفة المستقبل، فيأتي التوجيه الشرعي إلى الذي أصابته الحيرة، بأن لك رباً هو مالك الكون وهو مالك الملك وخالق السموات والأرض ومدبر الأمر ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ [السجدة: 5] فتوجه أيها العبد إلى ربك فاطر السموات والأرض، واطلب منه أن يبصرك بما هو خير لك وأن يصرف عنك ما هو شر لك.

لذلك نَدَبَ لنا الشرع الحنيف صلاة الاستخارة ليلتجئ المرء بالصلاة والدعاء التجاءً قوياً إلى ربه، مسلّماً أمره إليه، متوكلاً عليه ﴿وَكَفَى بِاللهِ وَكِيْلَاً [الأحزاب:3].

       الصحابة رضي الله عنهم الذين عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحدث معهم هذه الحالات من الحيرة في اتخاذ القرار في أمورهم، فكان يعلمهم الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن لشدة الاهتمام بها،
فقد وردعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي الأْمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ “إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأْمرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيُقَل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأْمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَال عَاجِل أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأْمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَال عَاجِل أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ. وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ. قَال: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ” [1] [صحيح البخاري].

      فإذا أردت أيها السائل الكريم أن تشرع بأمر من المباحات ولاتدري أهو خير لك أو شر، فإنك تتوضأ وتنوي ركعتين سنة الاستخارة، وتصلي ركعتين مثل بقية النوافل في وقت غير مكروه ، مثل النافلة بعد صلاة الفجر  أو بعد صلاة العصر وأمثالهما، ويستحب لك أن تقرأ سورة الكافرون ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ… في الركعة الأولى، وأن يقرأ سورة الإخلاص في الركعة الثانية ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ…. ولو قرأت غيرهما جاز، ثم تُسلِّم من الركعتين، ثم يستحب لك أن تبقى متوجِّهاً نحو القبلة رافعاً يديك نحو السماء وهي قِبلة الدعاء، فتراعي آداب الدعاء، فتبتدئ بالحمد والصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم وتدعو بالدعاء الوارد الذي ذكرناه وتتأمل معانيَه التي تُظهر كمال صفات الله تعالى ونقص العبد وعجزه، وتسمي حاجتك فيه، ثم تختم بالحمد والصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم. [الطحطاوي، الحاشية على مراقي الفلاح].

      وأثر صلاة الاستخارة إما بانشراح صدرك للإقدام والشروع على ما استخرت، أو الانقباض فتمتنع من ذلك، فإذا لم يظهر لك شيء فتُكرِّر صلاة الاستخارة مرة ثانية وثالثة إلى سبع مرات كحد أقصى، وإذا لم تشعر بالانشراح أو الانقباض فيكفي مجرد دعاء الاستخارة وتكرارها، فقد جعلتَ الأمر بين يدي الله تعالى فهو ييسر لك الأمر في العاجل أو الآجل إن كان خيراً لك أو يصرف عنك الأمر في العاجل أو الآجل إن كان فيه شراً، ويقدر لك ما فيه خير، وهذا ما يجب أن تعتقد به اعتقادَ اليقين بأنّ الله لا يُخلِف وعده، فقد وعد بالإجابة لمن دعاه ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60] فيخلق الله في قلبك الرضى والطمأنينة والسعادة وترى آثار صلاة الاستخارة وبركتها عاجلاً أو آجلاً. 
والله الهادي إلى الصواب


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. باسم عيتاني، وتمت مراجعة الإجابة من قبل الشيخ فراز رباني.

 

الشيخ د. باسم عيتاني من علماء لبنان، حاصل على دكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 2005.
من مشايخه: الشيخ محمد طه سكر والشيخ أديب الكلاس، الشيخ عبد الرحمن الشاغوري، الشيخ عبد الرزاق الحلبي، د. مصطفى البغا، د. وهبي الزحيلي، د. محمد الزحيلي وغيرهم رحمهم الله جميعاً.
لديه العديد من الخبرات والتخصصات العلمية والإدارية، وقد شغل مناصب علمية وإدارية في العديد من الجهات والمؤسسات العلمية والثقافية والإسلامية الحكومية وغير الحكومية في لبنان وخارجه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح البخاري (1109)، 1/ 391.