سمعت من أحد معلمي القرآن يقول لتلميذه وهو يقرأ هذا وقف قبيح فهل في القرآن شيء من هذا أرجو منكم بيان ذلك مفصلاً؟

يجيب عن السؤال الشيخ  أنس الموسى بن محمد بشير

السؤال

 سمعت من أحد معلمي القرآن يقول لتلميذه وهو يقرأ هذا وقف قبيح فهل في القرآن شيء من هذا أرجو منكم بيان ذلك مفصلاً؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم
نعم يوجد مثل هذا النوع من الوقف، وهناك أنواع أخرى للوقف، وقبل بيانها لابد من توضيح بعض القضايا المتعلقة بالموضوع.
  1. الوقف: هو قطع الصوت على الكلمة زمناً يُتنفس فيه عادة، بنية استئناف القراءة، إمَّا بما يلي الحرف الموقوف عليه، وإما بما قبله، ويكون الوقف في رؤوس الآي وأوساطها، ولا يكون في وسط الكلمة ولا فيما اتصل رسماً. (1)
  2. علم الوقف والابتداء  يَبحث في معرفة ما يوقف عليه، وما يبتدأ به أثناء تلاوة القرآن، ويُلحق به أيضاً ما يتعلق بكيفيات الوقف على الكلمة وكيفية الابتداء بها.
  3. معرفة الوقف على كَلِمِ القرآن الكريم جزءٌ لا يتجزأ من حُسنِ تلاوته، ومن أهم متطلبات تجويد قراءته التي أمر الله تعالى بها بقوله:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] بل من أهم متطلبات الفصاحة في كلام الفصحاء إذ به تُتَبَيَّنُ معاني الكلام وتُعرف مقاصده وفوائده، فهو من العلوم المهمة للمقرئ والقارئ. روي عن سيدنا علي رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (سورة المزمل آية: 4) فقال: الترتيل: ‌تجويد ‌الحروف ‌ومعرفة ‌الوقوف. (2)
  4. معرفة الوقف والابتداء لها علاقة وثيقة بمعاني القرآن وفهم الآيات، كما بين ذلك عبدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ بقوله: لَقَد عِشْنا بُرهَةً مِن دَهرِنا وأَحَدُنا يُؤتَى ‌الإيمانَ ‌قَبلَ ‌القُرآنِ، وتَنزِلُ السّورَةُ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم فيَتَعَلَّمُ حَلالَها وحَرامَها، وآمِرَها وزاجِرَها، وما يَنبَغِى أن يَقِفَ عِندَه مِنها، كما تَعَلَّمونَ أنتُمُ اليَومَ القُرآنَ، ثُمَّ لَقَد رأَيتُ اليَومَ رِجالًا يُؤتَى أحَدُهُمُ القُرآنَ قَبلَ الإيمانِ، فيَقرأُ ما بَينَ فاتِحَتِه إلَى خاتِمَتِه ما يَدرِى ما آمِرُه ولا زاجِرُه، ولا ما يَنبَغِى أن يَقِفَ عِندَه مِنه، فيَنثُرُه نَثرَ الدَّقَلِ. (3)
    قال أبو جعفر النحاس: “فينبغي لقارئ القرآن أن يتفهم ما يقرؤه، ويشغل قلبه به، ويتفقد القطع والائتناف، ويحرص على أن يُفهِم المستمعين في الصلاة وغيرها، وأن يكون وقفه عند كلام مستغنٍ أو شبهه، وأن يكون ابتداؤه حسناً، ولا يقف على الموتى في قوله: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى} [الأنعام: 36]، ولا أمثاله؛ لأن الوقف ههنا قد أشرك بين السامعين والموتى، والموتى لا يسمعون ولا يستجيبون، وإنما أخبر عنهم أنهم يُبعثون …» (4)
  5. مما يدل على الصلة بين الوقف والمعنى، الحادثة المشهورة، التي رواها ‌عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ: «تَشَهَّدَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، ‌وَمَنْ ‌يَعْصِهِمَا ‌فَقَدْ ‌غَوَى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْكُتْ، فَبِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ». (5)
    وقد بين أبو جعفر النحاس أن الخطيب وقف على (ومن يعصهما) ثم أكمل (فقد غوى) فكان ينبغي أن يصل كلامه فيقول: (ومن يعصهما فقد غوى)، أو يقف عند قوله: (فقد رشد). فإذا كان هذا مكروهًا في الخُطب وفي كلام الناس، ففي كتاب الله جل وعز أشد كراهيةً، وكان المنع من رسول الله في الكلام بذلك أوكد. (6)
    وقد كره إبراهيم النخعي أن يقال: (لا والحمد لله)، ولم يكره أن يقول: (نعم والحمد لله).
    وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرجل معه ناقة: أتبيعها بكذا؟ فقال: (لا عافاك الله)، فقال: لا تقل هكذا ولكن قل: (لا وعافاك الله)، فأنكر عليه لفظه ولم يسأله عن نيته. (7)
  6. ولأهمية معرفة الوقف والابتداء لطلاب القرآن، منعوا من إعطاء الإجازة لمن يجهل هذا العلم، قال ابن الجزري: “وَمِنْ ثَمَّ اشْتَرَطَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْخَلَفِ عَلَى الْمُجِيزِ أَنْ ‌لَا ‌يُجِيزَ ‌أَحَدًا ‌إِلَّا ‌بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ الْوَقْفَ وَالِابْتِدَاءَ، وَكَانَ أَئِمَّتُنَا يُوقِفُونَنَا عِنْدَ كُلِّ حَرْفٍ وَيُشِيرُونَ إِلَيْنَا فِيهِ بِالْأَصَابِعِ سُنَّةً أَخَذُوهَا كَذَلِكَ عَنْ شُيُوخِهِمُ الْأَوَّلِينَ”. ثم نقل عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا قَرَأْتَ (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) فَلَا تَسْكُتْ حَتَّى تَقْرَأَ (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)”. (8)
  7. وقال الشيخ طاهر الجزائري: إِذا عَرف القارئ مواطن الوقف والابتدا سَاغَ لَهُ أَن يصل فِي مَوَاضِع الْوَقْف عِنْد امتداد النَّفَس؛ فَإِن التَّالِي كالضارب فِي الأَرْض، ومواضع الْوَقْف بَين يَدَيْهِ كالمنازل فالعارف لَا يتَعَدَّى منزلاً إِلَّا إِذا أَيقَن أَنه يصل إِلَى الْمنزل الَّذِي بَين يَدَيْهِ وَالنَّهَار قَائِم وَالْجَاهِل بالمنازل يعرِّس حَيْثُ أجنَّه اللَّيْل، وَقد يكون فِي مَوضِع يلْحقهُ فِيهِ ضَرَر من تلف نفس أَو مَال أَو غير ذَلِك، فالقارئ الْعَارِف بالمقاطع يقف حَيْثُ لَا يلْحقهُ لوم، وَالْجَاهِل يقف عِنْد انْتِهَاء نَفَسه فقد يقف فِي مَوضِع يضرُّ الْوُقُوف بِهِ؛ لإحالته الْمَعْنى أَو إخلاله بالفهم وَقد حذر الْعلمَاء من الْوَقْف على الْمَوَاضِع الَّتِي لم يتم فِيهَا الْكَلَام وحثوا على تجنبها”. (9)
وللوقف من حيث العموم أقسام أربعة هي:
‌‌1 – الوقف الاضطراري: هو الوقف القاهر الذي يعرض للقارئ أثناء القراءة كضيق النَّفَس أو العطاس، وما أشبه ذلك من الأعذار التي تضطر القارئ للوقوف على ما لا يصلح الوقوف عليه، والقارئ في هذا معذور لكن يجب عليه أن يعود إلى الكلمة التي وقف عليها فيصلها بما بعدها إن صح الابتداء بها، أو يعيد معها ما يُقيم المعنى ويُصلحه.
2 – الوقف الاختباري: هو يتعلق برسم المصحف فيختبر الأستاذ تلميذه على كيفية الوقف على بعض الكلمات لبيان المقطوع والموصول، والثابت والمحذوف، ورسم بعض الكلمات بالتاء المفتوحة أو المربوطة، إلى غير ذلك، وكيفية الوقف عليها، ولا يوقف عليه إلا لحاجة الامتحان أو تعليم الطالب كيف يقف على كلمة قرآنية إذا اضطر لذلك.
مثال ذلك: طلبُ الأستاذ من تلميذه الوقف على (آتانِيَ) في قوله تعالى: (فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) [النمل: 36]. لينظر الأستاذ أيقف القارئ على النون فقط أم على النون والياء، ففي الوقف على هذه الكلمة خلاف بين القراء.
3 – الوقف الانتظاري: وهو الوقف على الكلمة التي تُقرأ بأكثر من وجه لاستيفاء ما بها من أوجه، وهو خاص بطلاب القراءات.
4 – الوقف الاختياري: هو الوقف باختيار القارئ وإرادته دون وجود سبب من الأسباب المتقدمة، وهذا القسم هو الذي ينبغي أن يتنبه له القارئ، إذ الوقف مرتبط بالمعنى.
**قبل أن نذكر أنواع هذا الوقف، لابد أن نشير إلى أن العلماء عند تحديد نوع الوقف ينظرون إلى العبارة التي قبل موضع الوقف، والعبارة التي بعده، فيبحثون عن ثلاثة روابط أو عن أحدها، وبحسب وجود شيء منها أو وجودها كلها يكون تحديد نوع الوقف وحكمه وهذه الروابط هي: 1- الروابط اللفظية. 2- المعنى الخاص بكل عبارة. 3- السياق العام للموضوع.
وبناء عليه فأنواع الوقف الاختياري أربعة على أشهر الأقوال وهي: الوقف التام، والوقف الكافي، والوقف الحسن، والوقف القبيح.
أما ‌الوقف ‌التام: فهو الوقف على كلامٍ تامٍّ في ذاته غيرَ متعلقٍ بما بعده لفظاً  (إعراباً) لا معنى، ويوجد غالباً في أواخر الآي، وأواخر القَصص، كالوقف على (المفلحون) من قوله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]؛ لأنَّ قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6]، لا علاقة لها بما قبلها في قوله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} لا من جهة المعنى ولا من جهة اللفظ، فلو ابتدأت بالقراءة بها لأفهمت معنى تامّاً، ولا حاجة لك بأن تبدأ بما قبلها.
ملحوظات تتعلق بالوقف التام
  •  وقد يكون الوقف التام قبل تمام الآية، كالوقف على قوله تعالى: «أذلة» من قوله تعالى حكايةً عن ملكة سبأ: ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً ‌أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 34]، ثم يكون الابتداء بقوله تعالى: {وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ} لأن هذا من كلام الله تعالى، وليس حكايةً لكلام أحد.
  • وقد يكون الوقف التام بعد انقضاء الآية كالوقف على قوله تعالى: (وبالليل) من قوله تعالى:﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ ‌مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٣٨) ﴾ [الصافات: 137-138] لأنه معطوف على ما قبله باعتبار المعنى، أي: وإنكم لتمرون عليهم بالصبح وبالليل. وحكم هذا الوقف: يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده. (10)
  •  نظراً لتعلق الوقف التام بالمعنى؛ فقد يكون الوقف تامًّا على تفسير وتأويل، ويكون غير تام على تفسير وتأويل آخرين، وقد يكون الوقف تامًا على قراءة، وغيرَ تام على أخرى. (11)
الوقف الكافى: هو الوقف على ما تم في نفسه، وتعلق بما بعده من حيث المعنى لا من حيث اللفظ (الإعراب). ومن أمثلة هذا النوع: الوقف على قوله تعالى: (لا يؤمنون) من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ‌أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6]، ثم يكون الابتداء بقوله تعالى: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 7]
فالجملة الأولى من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] مستقلة بمعناها بحيث لو قَطع القارئ قراءته عليها لأفهم معنى واضحاً مستقلاً، ولو قرأ بقوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} ابتداءً، لظهر للسامع أن هذه الجملة مرتبطة بما قبلها من جهة اللفظ دون الإعراب، فهي مستقلة إعراباً، ومرتبطة لفظاً بدلالة الضمير في قوله {قُلُوبِهِمْ}، حيث يعود على ظاهرٍ سابق، وهو قوله: {الَّذِينَ كَفَرُوا}. (12)
الوقف الحسن: هو الوقف على ما تم في ذاته، ولكن تعلق به ما بعده من جهة اللفظ (الإعراب)، ومن أمثلته: الوقف على قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}، ثم البدء بقوله تعالى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فجملة الحمد لله مستقلة بنفسها معنى وإعراباً، بحيث لو لم يكن بعدها كلام لكان الوقف تامّاً، لكن جملة {رَبِّ الْعَالَمِينَ} مرتبطة إعراباً بالجملة قبلها، فـ (ربِّ) صفة للفظ الجلالة، ولا يوقف على الموصوف دون الصفة؛ لأنَّ البدء بها يدل على انقطاعها عما قبلها مع أنها تامةُّ الاتصال. ينظر: (13)
الوقف القبيح: هو الوقف على ما لم يتم معناه، واشتد التعلق بما بعده لفظًا ومعنى؛ كالوقف على المضاف دون المضاف إليه، أو على المبتدأ دون خبره، أو على الفعل دون فاعله.
ومن أمثلته: الوقف على قوله تعالى: {الْحَمْدُ} من قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}، أو على لفظ {بسم} من {بِسْمِ اللَّهِ} وهكذا كل ما لا يفهم منه معنى، لأنه لا يُعلم إلى أي شيئٍ أضيف. فالوقف عليه قبيح لا يجوز تعمده إلا لضرورة.
ومن أمثلته أيضاً: الوقف على قوله تعالى: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا} من قوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ‌كُلَّمَا ‌رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 25]
؛ فإن الكلام ناقصٌ؛ لأن قوله تعالى: {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} هو تمام الكلام. (14)
ومن أمثلته: الوقف على ما يوهم معنىً قبيحاً، كالوقف في قوله عز وجل: ﴿‌فَبَعَثَ ‌اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ﴾ [المائدة: 31]  على: (فبعَثَ)، ويبتدئ (اَللَّهُ غُرَابًا). (15)
ملحوظة: ‌‌يلحق بالوقف القبيح ما يسمى بوقف التعسُّف؛ وهو ما يتكلّفه بعض القرّاء من وقوفات غيرِ مستساغة، تخالف النظم القرآني، وتفسد تراكيب القرآن الكريم مثل الوقف على: (جُناحَ) في قوله تعالى: (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) [البقرة: 158]. أو الوقف على (تُشْرِكْ) في قوله تعالى: (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13]، ثم البدء بـ (بِاللَّهِ) [البقرة: 8] على أنه مًقْسَم به. (16)
ملحوظة:
قد يَجعل بعضهم كل قسم من الأقسام الأربعة السابقة للوقف الاختياري قسمين: تام وأتم، وكافي وأكفى، وحسن وأحسن، وقبيح وأقبح. (17)
تنبهات عامة تتعلق بعلم الوقف والابتداء
  • يرتبط موضوع الوقف والابتداء بالمعنى؛ فتحديد مكان الوقف والابتداء مبني على تحقيق المعاني الصحيحة؛ لهذا فهو منبثق من علم (التفسير)، بل هو أثر من آثاره، وله ارتباط بعلم (النحو) أيضاً؛ من جهة معرفة ما يصح الوقف عليه وما لا يصح من المفردات أو الجمل المرتبطة ببعضها من جهة النحو؛ كالمعطوفات والجملة الحالية وغيرها، كما أنَ له ارتباطاً بعلم القراءات. وسبب تسمية الوقف بالقبيح هو لقبح المعنى المترتب على الوقف في المكان الخاطئ. (18)
  • الوقف والابتداء علم اجتهادي يتعلق بدلالات المعاني في سياق الآيات، فلم يرد فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد موضع يجب الوقف عليه. كما قال ابن الجزري:        وليس في القرآن من وقفٍ يجب…… ولا حرامٍ غيرَ ما له سبب.  لهذا وقع الخلاف بين علماء الوقف والتفسير والنحو الإعراب، وكذلك اختلفت لجان تدقيق المصحف الشريف ومراجعته في تحديد أماكن الوقف، بل في تحديد نوع الوقف في الموضع الواحد بين وقف تام وكاف وحسن وربما قبيح؛ فقد يكون الوقف حسنًا على تقدير، وكافيًا أو تامًا على آخر. (19)
  •  اختلف العلماء في بيان أنواع الوقف، فابن الأنباري قسمه إلى: تام، وحسن، وقبيح. والسَّجاوَنْدي إلى: لازم، ومطلق، وجائز، ومجوَّز لوجه، ومرخَّص ضرورةً. والشيخ زكريا الأنصاري إلى: تام، وحسن، وكاف، وصالح، ومفهوم، وجائز، وبيان، وقبيح. والأُشموني إلى: تام، وأتم، وكاف، وأكفى، وحسن، وأحسن، وصالح، وأصلح، وقبيح، وأقبح. ومحمد علي خلف الحسيني إلى: لازم، وجائز والوقف أولى، وجائز والوصل أولى، وممنوع. (20)
  •  حرص العلماء على تبيين مواضع الوقف في القرآن الكريم؛ إعانةً للقارئ على اختيار أماكن الوقف، واصطلحوا على إعطاء كل نوع منها رمزاً يدل عليه للاختصار والتخفيف على القارئين. (21)
  •  قال بعض العلماء بسنية الوقوف على رؤوس الآيات، و خالف في ذلك آخرون. وأخذوا هذا مما روته أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: ” كَانَ ‌يُقَطِّعُ ‌قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} “. (22)
    قال البيهقي: وأما تقطيع القرآن آيةً آية، فإنه أولى عندنا من ‌تتبع ‌الأغراض ‌والمقاصد والوقوف عند انتهائها. (23)
  • على القارئ التمكن من معرفة كيفية الوقف على الألفاظ التي فيها أكثر من وجه أو التي وقع فيها خلاف بين القرَّاء ، أو التي يوقف عليها بموافقة الرسم تقديرًا أو تحقيقاً، بإثبات حروف أو حذفها، وهذا باب واسع دقيق، ومنه مثلاً: وقف يعقوب الحضرمي بإضافة هاء الوقف في ألفاظ مثل: (فِيمَ) [النساء: 97] و(عَمَّ) [النبأ:1] و(إِلَيَّ) [الدخان: 18] ومنه الوقف بقطع الموصول كوقف الكسائي وأبي عمرو البصري  اختباراً أو اضطراراً على: (وَيْكَأَنَّ) (وَيْكَأَنَّهُ) [القصص: 82] حيث وقف الكسائي على (وي)، ويبتدأ بـ كأنَّ – كأنَّه. ووقف أبو عمرو على: (وَيْك)، ويبتدأ بـ أنَّ – أنَّه…. إذا معرفة أحكام الوقف له أثره على التلاوة أيضاً.
  • من العلوم المهمَّة المتصلة بعلم الوقف والابتداء: علم التفسير وعلم النحو، وعلم القراءات؛ فبالمعنى يُحدد الوقف ويُعرف، قال ابن مجاهد: “لا ‌يقوم ‌بالتمام إلاَّ نحويٌ عالم بالقراءات عالم بالتفسير عالم بالقصص وتلخيص بعضها من بعض، عالم باللغة التي نزل بها القرآن”. وذكر الإمام أبو عمرو الداني في كتابه “المكتفى في الوقف والابتدا”، فقال: “اقتضبته من أقاويل المفسرين، ومن كتب القراء والنحويين”.  (24)
                          وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الشيخ  أنس الموسى بن محمد بشير


(1): معجم علوم القرآن إبراهيم الجرمي ص319.
(2):ينظر: شرح طيبة النشر في القراءات لابن الجزري ص34؛ منار الهدى في بيان الوقف والابتدا أحمد بن عبد الكريم الأشموني (1/13)؛ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/282).
(3):المستدرك على الصحيحين للحاكم (101)؛ السنن الكبرى للبيهقي (5355).
(4): القطع والائتناف للنحاس ص20.
(5):مسند أبي داوود الطيالسي (1119).
(6):ينظر: القطع والائتناف أبو جعفر النحاس ص13.
(7):القطع والائتناف أبو جعفر النحاس ص13.
(8): النشر في القراءات العشر لابن الجزري (1/225).
(9):توجيه النظر إلى أصول الأثر طاهر الجزائري (2/840).
(10): ينظر: المحرر في علوم القرآن مساعد الطيار ص255؛ الموسوعة القرآنية المتخصصة (1/401).
(11):ينظر: معجم علوم القرآن إبراهيم الجرمي ص321.
(12):الموسوعة القرآنية المتخصصة (1/402)؛ المحرر في علوم القرآن ص256.
(13): الموسوعة القرآنية المتخصصة (1/402)؛ المحرر في علوم القرآن ص256.
(14):  الموسوعة القرآنية المتخصصة (1/402)؛ المحرر في علوم القرآن ص256.
(15):الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة عليها يوسف بن علي الهذلي ص131.
(16):ينظر: معجم علوم القرآن إبراهيم الجرمي ص321.
(17):المحرر في علوم القرآن د. مساعد الطيار ص255.
(18):  المحرر في علوم القرآن د. مساعد الطيار ص251.
(19): المحرر في علوم القرآن د. مساعد الطيار ص251.
(20): ينظر: معجم علوم القرآن ص319- ص323.
(21):مقدمات في علم القراءات محمد القضاة، أحمد شكري ص199.
(22):مسند أحمد (26583).
(23):المنهاج في شعب الإيمان للبيهقي (2/246).
(24):ينظر: التحديد في الإتقان التجويد أبي عمرو الداني ص177؛ المكتفى في الوقف والابتدا أبي عمرو الداني ص1؛  قواعد التجويد على رواية حفص عن عاصم عبد العزيز القارئ ص6؛ القطع والائتناف للنحاس ص18.

الشيخ أنس الموسى

 

هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.