سمعت أنه لا يجوز الكلام يوم الجمعة أثناء الخطبة فهل هذا مكروه أم حرام وهل يجوز لي أن أنبه أصدقائي لكي يلتزموا الصمت؟
يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع الياقتي
السؤال
سمعت أنه لا يجوز الكلام يوم الجمعة أثناء الخطبة فهل هذا مكروه أم حرام وهل يجوز لي أن أنبه أصدقائي لكي يلتزموا الصمت؟
الجواب
الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا محمد رسول الله و بعد :
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: « إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ ؛ فَقَدْ لَغَوتَ.». متفق عليه
هنالك قولان عند الشافعية في هذه المسألة، بناء على هذا الحديث و على غيره من الأحاديث الأخرى :
القول الأول بتحريم الكلام و الإمام يخطب : و بناء على هذا القول يكون معنى قوله :” لغوت ” أي أثمت و أذهبت ثواب جمعتك ، و لكنها صحيحة لم تبطل
و القول الثاني بالكراهة : و بناء على هذا القول يكون معنى :” لغوت” أي تكلمت بما هو لغو و خالفت الأدب ، فالجمعة أيضاً صحيحة
– و يُلحق بحكم الكلام كل اشتغال عن الخطبة كالاشتغال بالموبايل و تصفح بعض المواقع أو الوتس و غير ذلك كما هو الحال الآن عند بعض الشباب للأسف.
-و بناء على ما سبق يجوز لك الإشارة بيدك لتنبيه أصدقائك بالتزام الصمت إن فهموا الإشارة ، و إلا فبكلام على قدر الحاجة .و الله أعلم
التفصيل و البيان :
خص الشرع يوم الجمعة بخصائص ليست لغيره من الأيام لفضيلته، و لكونه عيداً للمسلمين، و سن له و لخطبة الجمعة سنناً و أحكاماً خاصة ..، كالاغتسال و التطيب و لبس أفضل الثياب -و خاصة البياض- و التبكير إلى خطبة الجمعة، و كثرة الذكر و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و غير ذلك.
و من هذه الأحكام و الأوامر التي جاء بها الشرع : الإنصات للخطيب أثناء الخطبة و عدم الاشتغال عنها بأي شيء آخر؛ حرصاً على حصول تمام الفائدة، و تحقيق بعض الحِكَم و الغايات من تشريع خطبة الجمعة .
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه -أنَّ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ تَوضأ فَأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثم أتى الجمعةَ، فاستمع وأنصتَ، غُفِرَ لَه ما بينهُ وبين الجمعة، وزيادةُ ثلاثة أيام، ومن مس الحصا فقد لَغَا» .
وفي رواية قال: «من اغتسل، ثم أتى الجمعةَ، فصلَّى ما قُدِّرَ له، ثم أنصتَ حتى يَفْرُغَ الإِمام من خطبته، ثم صلَّى معه، غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضلُ ثلاثة أيام» (1) .
– بعد هذه المقدمة المهمة نعود إلى السؤال، فما هو حكم الكلام-و لو كان للتنبيه- أثناء الخطبة ؟
هنالك قولان عند الشافعية (2):
– أَحدهمَا : أنه يحرم الكلام مطلقاً و لو كان للتنبيه ، فالإنصات واجب . وهو قول الإمام الشافعي في المذهب القديم
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: « إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوتَ.». متفق عليه (3)
و معنى “لغوت” هنا : أي أثمت و أذهبت ثواب الجمعة مع عدم بطلانها
فعن سيدنا علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- أنه قال و هو على منبرِ الكُوفة: ( … ، ومَنْ قال يوم الجُمعةِ لصاحبه: “صهْ” فَقَدْ لَغَا، ومَن لَغَا فَليسَ له في جُمعته تلك شيء، ثم قال: سمعتُ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلم – يقولُ ذلك).(4)
و عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ – رضي الله عنه -أنه قَالَ: ( دَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم يَخْطُبُ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، أَوْ كَلَّمَهُ بِشَيْءٍ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَظَنَّ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهَا مُوْجِدَةٌ، فَلَمَّا انْفَتَلَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَا أُبَيُّ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ؟ قَالَ: إِنَّكَ لَمْ تَحْضُرْ مَعَنَا الْجُمُعَةَ، قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: تَكَلَّمْتَ وَالنَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم يَخْطُبُ، فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: “صَدَقَ أُبَيٌّ، أَطِعْ أُبَيًّا”. (5)
فهذا الحديث يدل على فوات ثواب الجمعة دون بطلانها ، فلو كانت جمعة عبد الله بن مسعود باطلة لأمره صلى الله عليه و سلم بإعادة صلاة الظهر مكانها
– الثاني : أَن الْكَلَام لَيْسَ بِحرَام و إنما مكروه تنزيهاً، والإنصات سنة . و هو قول الإمام الشافعي في الجديد و هو الأصح في المذهب
ومعنى “لغوت” هنا : أي تركت الأدب و تكلمت بما لا ينبغي ، و جمعته كذلك صحيحة لم تبطل.
فعن أَبي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أنه قَالَ: « بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. إِذْ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. فَعَرَّضَ بِهِ عُمَرُ . فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ! فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَا زِدْتُ حِينَ سَمِعْتُ النِّدَاءَ أَنْ تَوَضَّأْتُ. ثُمَّ أَقْبَلْتُ. فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءَ أَيْضًا! أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ ». متفق عليه(6) و اللفظ لمسلم
وَرُوِيَ : (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل عَلَيْهِ رجل وَهُوَ يخْطب الْجُمُعَة فَقَالَ مَتى السَّاعَة فَأَوْمأ النَّاس إِلَيْهِ بِالسُّكُوتِ فَلم يفعل وَأعَاد الْكَلَام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ بعد الثَّانِيَة وَيحك مَا أَعدَدْت لَهَا قَالَ حب الله وَرَسُوله فَقَالَ إِنَّك مَعَ من أَحْبَبْت) (7)
وَجه الدّلَالَة: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يُنكر عَلَيْهِم ذَلِك وَلَو كَانَ حَرَامًا لأنكره.
و عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: قُمْ فَارْكَعْ». متفق عليه(8)
– و يقول الإمام النووي في شرح صحيح مسلم ملخصاً المسألة : ( وَمَعْنَى “فَقَدْ لَغَوْتَ ” أَيْ قُلْتَ اللَّغْوَ ، وَهُوَ الْكَلَامُ الْمَلْغِيُّ السَّاقِطُ الْبَاطِلُ الْمَرْدُودُ. وَقِيلَ : مَعْنَاهُ قُلْتَ غَيْرَ الصَّوَابِ . وَقِيلَ: تَكَلَّمْتَ بِمَا لَا يَنْبَغِي.
فَفِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ حَالَ الْخُطْبَةِ، وَنَبَّهَ بِهَذَا عَلَى مَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ أَنْصِتْ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَسَمَّاهُ لَغْوًا ؛ فَيَسِيرُهُ مِنَ الْكَلَامِ أَوْلَى.
وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ إِذَا أَرَادَ نَهْيَ غَيْرِهِ عَنِ الْكَلَامِ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ بِالسُّكُوتِ إِنْ فَهِمَهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَهْمُهُ فَلْيَنْهَهُ بِكَلَامٍ مُخْتَصَرٍ وَلَا يَزِيدُ عَلَى أَقَلِّ مُمْكِنٍ .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَلَامِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعَيِّ ..) (9)
– و يُلحق بحكم الكلام أثناء الخطبة كل اشتغال عن الخطبة ، كالاشتغال بالموبايل و تصفح بعض المواقع أو الوتس و غير ذلك كما هو الحال الآن عند بعض الشباب للأسف.
لما مرَّ في الحديث : ” وَمَنْ مَسَّ الْحَصَا فَقَدْ لَغَا ».
– و لتمام الفائدة نذكر بعض الأحكام المتعلقة بالسؤال :
– لا يتعلق الحكم بالتحريم أو الكراهة بالكلام قبل الخطبة أو بعدها أو أثناء سكوت الخطيب بين الخطبتين
– إذا كان صوت الخطيب غير مسموع لسبب ما ؛ ففي هذه الحالة يستحب له الإنصات و الاشتغال بالذكر
– إذا رأى أمراً مهماً يحتاج إلى التنبيه أو علم بحصول خطر ما كاقتراب أعمى من الدرج مثلاً أو رأى عقرباً أو غير ذلك لم يحرم الكلام أو التنبيه قولًا واحدًا (10)
بناء على ما سبق:
يجوز لك أيها الأخ الكريم أن تشير بيدك لتنبيه أصدقائك بالتزام الصمت أثناء الخطبة إن فهموا الإشارة ، و إلا فبكلام قليل على قدر الحاجة، أما الكلام الآخر الذي يشغل عن الخطبة أو الاشتغال بالموبايل أو غير ذلك فهذا حكمه على حسب التفصيل الذي بيناه إما بالكراهة أو التحريم و الله أعلم.
المصادر و المراجع :
2 – ينظر كتاب : كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، للإمام تقي الدين الحصني الشافعي ، دار الخير – دمشق، ط 1، صفحة (146) ، و كتاب البيان في مذهب الإمام الشافعي، للمؤلف يحيى بن أبي الخير العمراني ، دار المنهاج – جدة ، الطبعة: الأولى، [2\598]، و كتاب المنهاج القويم، للإمام ابن حجر الهيتمي، دار الكتب العلمية،ط 1، صفحة (182)
3- صحيح البخاري : رقم (934) ، [2\13] و صحيح مسلم : رقم الحديث (851) [3\4]
4- سنن أبي داود رقم الحديث (1050) [2\283]
5- صحيح ابن حبان : رقم (4147) [5\236] ،دار ابن حزم – بيروت ، الطبعة: الأولى
6- صحيح البخاري : رقم ( 878)، [2\2]، و صحيح مسلم: رقم الحديث (845)، [3\3]
7- كتاب السنن الكبرى للبيهقي، رقم (5903) ، [6\ 363]
8- صحيح البخاري: رقم (930) ، [ 2\12] ، و صحيح مسلم : رقم الحديث (875) ، [2\596]
10- ينظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي، للمؤلف يحيى بن أبي الخير العمراني ، دار المنهاج – جدة ، الطبعة: الأولى، [2\599]