سلسلة شعب الإيمان | الإيمان باليوم الآخر ج5 | المقالة الرابعة عشرة | د. محمد فايز عوض

القيامة الكبرى

      • من أسماء يوم القيامة، والسر في تعددها:

قد سمى الله هذا اليوم بعدة أسماء؛ تنويها بشأنه وتنبيها للعباد ليخافوا منه؛ فسماه 

  1. اليوم الآخر:
    قال تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة، 177]. قال ابن حجر رحمه الله في سبب تسميته باليوم الآخر: (وأما اليوم الآخر فقيل له ذلك لأنه آخر أيام الدنيا, أو آخر الأزمنة المحدودة).

  2. وسماه يوم القيامة:
    لأن فيه قيام الناس للحساب. وسمي يوم القيامة، لقيام أمور ثلاثة فيه:
    * الأول: قيام الناس من قبورهم لرب العالمين، كما قال تعالى: ﴿لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ۞ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين، 5- 6].
    * الثاني: قيام الأشهاد الذين يشهدون للرسل وعلى الأمم، لقوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر، 51].
    * الثالث: قيام العدل، لقوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [الأنبياء، 47].

  3. الواقعة:
    ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ۞ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ [الواقعة، 1-2]وسميت بذلك للإيذان بتحقق وقوعها لا محالة.

  4. الحاقة:
    ﴿الْحَاقَّةُ ۞ مَا الْحَاقَّةُ ۞ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة، 1-3]وسميت بذلك: لأنها (تحق فيها الأمور ويجب فيها الجزاء على الأعمال)، وقيل: لأنها أحقت لكل عامل عمله، وقيل: لأنها أحقت لكل قوم أعمالهم.

  5. القارعة:
    ﴿الْقَارِعَةُ ۞ مَا الْقَارِعَةُ ۞ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ [القارعة، 1-3] (سميت بذلك لأنها تقرع القلوب بأهوالها).

  6. الصاخة:
    ﴿فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ ۞ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ۞ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ۞ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ۞ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس، 33- 37] والصاخة هي: صيحة القيامة لأنها تصخ الآذان أي تصمها.

  7. الآزفة:
    ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ۚ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر، 18] والمراد بالآزفة (يوم القيامة، سميت بذلك لقربها؛ إذ كل آت قريب).

  8. يوم الحساب:
    ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ [غافر، 27] وسمي يوم الحساب: لأن الباري سبحانه يعدد على الخلق أعمالهم، من إحسان وإساءة، يعدد عليهم نعمه ثم يقابل البعض بالبعض.

  9. ويوم الدين:
    ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة، 4] الدين هنا بمعنى الجزاء، وعن ابن عباس أنه قال: (يوم الدين: يوم الحساب للخلائق وهو يوم القيامة، يدينهم بأعمالهم؛ إن خيراً فخير, وإن شراً فشر، إلا من عفا عنه)  وكلها أسماء تدل على عظم شأنه وشدة هوله وما يلقاه الناس فيه من الشدائد والأهوال؛ فهو يوم تشخص فيه الأبصار، وتطير القلوب عن أماكنها حتى تبلغ الحناجر.

  10. البعث والنشور:
    أخبر الله عز وجل في محكم كتابه بإعادة الخلق والإحياء بعد الإماتة ﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ [الجاثية، 26] والإحياء أي رد الأرواح إلى الأجساد والبعث من القبور فجميع المسلمين يؤمنون بذلك.

  11. الحساب والجزاء:
    * الأدلة في القرآن الكريم على وقوع الحساب كثيرة فمن ذلك:
    1ـ ما جاء في إخباره عز وجل عن سرعة وقوع الحساب، فقال تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [المائدة، 4].
    2ـ والحساب تارة يكون يسيراً على أهل الإيمان والطاعات, وتارة يكون عسيراً على أهل الكفر والمعاصي ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ۞ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُورًا [الانشقاق، 7- 8].
    3ـ وقال تعالى في بيان إحاطة علمه بكل ما يصدر عن العباد ظاهراً أو باطناً ﴿لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة، 284].
    وقد عفا الله عما يضمره الإنسان في قلبه فلا يحاسبه عليه.
    4ـ وقال تعالى في مدح المؤمنين وخوفهم من هول الحساب: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ [الرعد، 21].
    * ونضيف إلى ما تقدم من الأدلة الواردة في القرآن الكريم أدلة أخرى من السنة النبوية فيما يأتي:
              قال في الحث على الاستعداد بالعمل الصالح, ومحاسبة النفس, وعدم تركها ترتع كيف شاءت، وهو ما ورد عن شداد بن أوس عن النبي أنه قال: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني». قال الترمذي: (ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((دان نفسه)) يقول: حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة).

          فإذا لم يستعد العبد بالعمل الصالح, ولم يسلك ما أمره الله به, ولم ينته عما نهاه عنه بل كفر بربه ولقائه, فإنه سيندم يوم القيامة, ويتمنى أن لو كان له ملء الأرض ذهباً ويفتدي به لو نفعه حين يحاسب بين يدي الله تبارك وتعالى.

          وقد جاء عن النبي في سهولة الحساب ويسره وتجاوز الله تعالى: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: «لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ۞ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ» 

          وقال في تجاوز الله تعالى عمن يتجاوز عن الناس في الحساب, وييسر عليهم, وتخفيف الله عن عباده، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البدري قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ. قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ».

          وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «سمعت رسول الله ﷺ يقول في بعض صلاته: اللهم حاسبني حساباً يسيراً، فلما انصرف قلت: يا نبي الله ما الحساب اليسير؟ قال: أن ينظر الله في كتابه فيتجاوز عنه، من نوقش الحساب يومئذ يا عائشة هلك، وكل ما يصيب المؤمن يكفر الله عز وجل به عنه حتى الشوكة تشوكه».

          وعن محمود بن لبيد أن النبي قال: «اثنان يكرههما ابن آدم: الموت، والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب».

          وعن السدي قال: حدثني من سمع عليًّا يقول: لما نزلت هذه الآية: ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء أحزنتنا ، قال: قلنا: يحدث أحدنا نفسه فيحاسب به، لا ندري ما يغفر منه وما لا يغفر، فنزلت هذه الآية بعدها فنسختها: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ.

          وعن العدل في القصاص يوم القيامة وتبادل الحسنات والسيئات يقول : «من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثمَّ دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه»  

          وقد أخبر أن ناساً لا يحاسبون، وهم سبعون ألفاً إكراماً لهم كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا، فَقَالَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فَقِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ، وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ، فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالُوا: أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا فِي الشِّرْكِ، وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: هُمُ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا، فَقَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ».

وفي بيان أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة قال رسول الله : «أول ما يقضى بين الناس بالدماء».  

          عَنْ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ قَالَ: «قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، قَالَ: فَجَلَسْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَحَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ؟ فَقَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ».

وعن أول الخلق حساباً يقول فيما يرويه ابن عباس عن النبي أنه قال: «نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ، يُقَالُ: أَيْنَ الْأُمَّةُ الْأُمِّيَّةُ وَنَبِيُّهَا؟ فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ».

  • العدل التام الخالي من الظلم
              يوفي الحق عز وجل عباده في يوم القيامة أجورهم كاملة غير منقوصة ولا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البقرة، 281- آل عمران، 161].

وقال لقمان في وصيته لابنه معرفا إياه بعدل الله: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان، 16] وقال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة، 7] فقد أخبر الحق تبارك وتعالى في هذه النصوص أنه يوفي كل عبد عمله وأنه لا يضيع منه ولا ينقص منه مقدار الذرة.

  • لا يؤخذ أحد بجريرة غيره :
              قاعدة الحساب والجزاء التي تمثل قمة العدل ومنتهاه أن الله يجازي العباد بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر ولا يحمل أحدا وزر غيره قال تعالى: ﴿مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء، 15].

  • اطلاع العباد على سجلات أعمالهم
              حتى يحكموا على أنفسهم فلا يكون لهم بعد ذلك عذر قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا [آل عمران، 30]، وقال: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف، 49]

مضاعفة الحسنات دون السيئات
          ومن رحمته أن يضاعف أجر الأعمال الصالحة ﴿إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [التغابن، 17] وأقل ما تضاعف به الحسنة عشرة أضعاف: ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَ [الأنعام، 160] أما السيئة فلا تجزى إلا مثلها ﴿وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا [الأنعام، 160] وهذا مقتضى عدله تبارك وتعالى.

وتبلغ رحمة الله بعباده وفضله عليهم أن يبدل سيئاتهم حسنات روى مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا: رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَاهُنَا، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ».

  • إقامة الشهود
              وقد أشارت أكثر من آية إلى الشهداء الذين يشهدون على العباد كقوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر، 51] وقوله تعالى: ﴿وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء [الزمر، 69] وأول من يشهد على الأمم رسلها فيشهد كل رسول على أمته بالبلاغ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا [النساء، 41] ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَـؤُلاء [النحل، 89] ومن الأشهاد الأرض والأيام والليالي تشهد بما عمل فيها وعليها ويشهد المال على صاحبه، كما تشهد الملائكة: ﴿وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ [هود، 18]