سلسلة شعب الإيمان | الإيمان بالرسل ج2 | المقالة التاسعة | د. محمد فايز عوض

 

      • أما الواجب علينا نحو الرسل فهو الآتي:
  1. يجب علينا تصديق رسل الله جميعاً، بعد الإيمان بهم وبرسالتهم وألا نفرق بينهم، فمن فرق بين رسل الله، فآمن ببعضهم وكفر بالآخرين، أو صدق بعضهم وكذب بعضاً، كان من الكافرين، بنص القرآن الكريم، قال الله ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء، 151].

  2. كما يجب علينا أن نؤمن أن كل رسول أرسله الله أدى أمانته، وبلغ رسالته على الوجه الأكمل، وبينها بياناً واضحاً كافياً.

  3. كما يجب علينا طاعتهم وعدم مخالفتهم؛ لأن ذلك من طاعة الله : ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء، 80].
    ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء، 64].

  4. كما يجب علينا أن نعتقد بأنهم أكمل خلقاً وعلماً وعملاً وفضلاً وصدقاً، وأن الله ميزهم بفضائل لا تتوفر لغيرهم، وأنه عصمهم، ونزههم عن الكذب والخيانة والكتمان.

  5. كما يجب علينا أن نؤمن بأن رسل الله جميعاً كانوا رجالاً من البشر فلم يكونوا من الملائكة، ولم يبعث الله أنثى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف، 109].

  6. كما يجب علينا أن نؤمن أن الله – لم يخصهم بطبائع أخرى غير الطبائع البشرية، وإنما اختارهم سبحانه من الرجال، الذين يأكلون ويشربون، ويمشون في الأسواق، وينامون ويجلسون ويضحكون ولهم أزواج وذرية، ويتعرضون للأذى وتمتد إليهم أيدي الظلمة، وينالهم الاضطهاد، وأنهم يموتون، وقد يقتلون بغير حق، وأنهم يتألمون، ويصيبهم المرض، وسائر الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص مراتبهم العالية بين الخلق، ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران، 144].
    ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ [الفرقان، 20].
    ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ [الرعد، 38].

  7. كما يجب علينا أن نؤمن أنهم لا يملكون شيئاً من خصائص الألوهية، فلا يتصرفون في الكون، ولا يملكون النفع أو الضر، ولا يؤثرون في إرادة الله ، ولا يعلمون الغيب إلا أن يطلعهم الله عليه: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف، 188].

  8. كما يجب علينا أن نؤمن بأن الله أيدهم بالمعجزات الباهرات والآيات الظاهرات؛ الدالة على صدقهم فيما جاؤوا به..

  9. كما يجب أن نؤمن أن أفضلهم على الإطلاق هو نبينا محمد ؛ وأنهم يتفاضلون في المنازل عند الله : ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [البقرة، 253].


          • مهمة الرسل ووظائفهم:
      • إن المهمة الأولى والوظيفة الكبرى هي هداية البشرية إلى معرفة الخالق وتوحيده؛ لأن الفطرة البشرية بذاتها تعرف وجود الخالق وتتجه إليه بالعبادة، ولكنها كثيراً ما تضل، فتتصور الخالق على غير حقيقته, وتشرك معه آلهة أخرى، ومن ثم يرسل الله الرسل ليعرفوا البشر بحقيقة خالقهم، وينفوا عن عقولهم ونفوسهم التصورات الباطلة عن الله ـ وما يترتب عليها من انحرافات في الفكر والسلوك، وليعالجوا بصفة خاصة قضية الشرك، وهي أشد ما يتعرض له البشر من انحراف في تصورهم للخالق وسلوكهم نحوه، يقول الرسل جميعاً لأقوامهم: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف، 59] ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء، 25].
      • المهمة والوظيفة الثانية: هي تعريف الناس بالمنهج الحق الذي تستقيم به حياتهم في الدنيا، وينالون به رضوان الله في الآخرة، وذلك بتبليغ ما أوحى الله به إليهم، وشرحه وبيانه، وتعريف الناس بطريقة تطبيقه وتدريبهم على ذلك، كما يفعل المعلم مع تلاميذه حتى يطمئنوا أن أتباعهم قد وعوا ما أنزل الله وعياً صحيحاً، وطبقوه التطبيق الصحيح.

          ولا تقتصر مهمة الرسل على التعريف والتعليم؛ على ما لهذا الأمر من أهمية بالغة في حياة الناس؛ بل تمتد إلى التربية. فليس دون الله معلومات تلقى ثم تحفظ. إنما هو سلوك عملي بمقتضى التعليم الرباني، والسلوك العملي لا يكتسب فجأة، ولا يكتسب بغير جهد يبذله المربي والمتلقي على حد سواء..
          ووسيلة الرسل في تربية أتباعهم وتقويم نفوسهم تقوم على الآتي:
          أ- تبدأ من ذات أنفسهم -أي الرسل- بأن يكونوا هم أنفسهم القدوة الكاملة في كل ما يدعون الناس إلى اتباعه. سئلت عائشة عن خلق رسول الله ﷺ: فقالت: «كان خلقه القرآن»  ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم، 4]

          ب- التربية تحتاج إلى الصبر والحلم وسعة الصدر: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف، 28]

          ج- تحتاج تربية الناس إلى التذكير الدائم: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات، 55]

          د- تحتاج إلى معايشة الناس ومصاحبتهم وملازمتهم لا العزلة والانقطاع عنهم، حتى تقدم التوجيهات والتعليمات في المناسبات، وتتم الملاحظة والمتابعة المطلوبة التي لا بد منها؛ حتى يستقيم الناس على الحق المطلوب، وتكون هناك فرصة لبذر العادات الصالحات في نفوسهم.. وهذا ما شاهدناه في سيرة المصطفى .

          هـ- وتحتاج التربية أيضاً إلى معرفة بطبائع النفوس ومداخلها لتقديم التوجيه المناسب لها بالطريقة التي تقومها ولا تنفرها: «حدثوا الناس بما يعرفون، كان رسول الله ﷺ: يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة»..

  • ومن مهام الرسل ووظائفهم كذلك: تعريف الناس بالحقائق الحقيقية التي تستحق الاعتبار، وتستحق أن يحرص الناس ويسعوا إلى تحصيلها.
              إن الناس بطبيعتهم منجذبون إلى متاع الأرض: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران، 14] وهم يحتاجون دائماً إلى من يرفعهم من ثقلة الأرض هذه، ويبصرهم بالقيم العليا التي ينبغي أن يتجهوا إليها من صدق، وإخلاص، وأمانة، وتضحية، وكرم، وشجاعة، وإيثار، وعدل، مما يليق بالإنسان الذي كرمه الله وفضله على سائر مخلوقاته.


      • خصائص الرسالة المحمدية:
        تختص الرسالة المحمدية عن الرسالات السابقة بجملة من الخصائص، نذكر منها:
  • الرسالة المحمدية خاتمة للرسالات السابقة، قال : ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب، 40].

  • الرسالة المحمدية ناسخة للرسالات السابقة، فلا يقبل الله من أحد ديناً إلا باتباع محمد  ولا يصل إلى نعيم الجنة إلا من طريقه، فهو  أكرم الرسل، وأمته خير الأمم، وشريعته أكمل الشرائع، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران، 85]، وقال ﷺ: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار».

  • الرسالة المحمدية عامة إلى الثقلين: الجن والإنس، قال : ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأحقاف، 31]، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ، 28]، وقال ﷺ: «فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون».

  • معجزة الرسالات السابقة ومعجزة الإسلام:
              لكل رسول يرسله الله إلى الناس آية يأتي بها مصدقة لدعواه ومؤيدة له، وهي المعجزة، والمعجزة تكون دائماً فوق قدرة البشر وخارقة لما تعودوه؛ وقد كانت المعجزات للرسالات السابقة كلها حسية مشاهدة تخاطب الحس البشري وتقهره، وهي لا تتعدى فترة زمنية بحيث تنتهي بانتهاء النبي الذي جاء بها، فمثلاً معجزة صالح هي الناقة، ومعجزة موسى العصا واليد البيضاء، ومعجزة عيسى إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بدون علاج..
             
              أما معجزة الإسلام ورسوله محمد فهي معجزة تحدى الله بها البشر؛ هي معجزة تخاطب العقل البشري في كل مكان وزمان؛ فهي معجزة ودعوة في آن واحد لا تنفك إحداهما عن الأخرى وتلك هي القرآن الكريم، قال ﷺ: «ما من نبي إلا وأعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة»، ولذلك فإن القرآن الكريم أعظم المعجزات التي أيد الله بها رسوله؛ لأنه معجزة دائمة باقية تتحدى البشر على الطلاق بما فيها من إعجاز اللفظ والمعنى.

 

      • أثر الإيمان بالرسل:
  • معرفة رحمة الله بعباده، وعنايته بهم، حيث أرسل إليهم الرسل يهدونهم إلى عبادة ربهم، وكيف يعبدون
  • شكر الله على هذه النعمة العظيمة.
  • محبة الرسل والثناء عليهم من غير إطراء؛ لأنهم رسل الله، قاموا بعبادته، وإبلاغ رسالته، والنصح لعباده.
  • اتباع الرسالة التي جاءت بها الرسل من عند الله، والعمل بها، فيتحقق للمؤمنين في حياتهم الخير والهداية والسعادة في الدارين، قال : ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ۞ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه، 123- 124].