سلسلة شعب إيمانية | فضل العلماء | المقالة الخامسة والثلاثون | الشيخ د. محمد فايز عوض

فضل العلماء

♦ العلماء هم الثقات:

قال الله تعالى : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) [ آل عمران : 18]

فأهل العلم هم الثقات العدول الذين استشهد الله بهم على أعظم مشهود ، وهو توحيده جل وعلا .

♦ مديح الله تعالى للعلماء:

وقد مدح الله أهل العلم وأثنى عليهم ، فجعل كتابه آيات بينات في صدورهم ، به تنشرح وتفرح وتسعد

قال الله تعالى :( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون) [العنكبوت:49]

♦ العلماء ورثة الأنبياء:

وهم أهل الذكر ، الذين أمر الناس بسؤالهم عن عدم العلم قال الله تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [النحل:43]

♦ رفع درجات أهل العلم والإيمان خاصة:

قال تعالى : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) [المجادلة:11]

♦ لا ينقطع عمل العالم بموته:

بخلاف غيره ممن يعيش ويموت ، وكأنَّه من سقط المتاع ، أمَّا أهل العلم الربانيون الذين ينتفع بعلمهم من بعدهم فهؤلاء يضاعف لهم في الجزاء والأجر شريطة الإخلاص

عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له » مسلم (1631)

♦ رحمة الله تتنزل على العالم والمتعلم:

وكل ما في الدنيا هالك وإلى زوال ، والمرحوم من ذلك صنفان من النَّاس : أهل العلم وطلبته ، والعابدون الذاكرون الله كثيرًا .

 روى الترمذي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  «ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالم أو متعلم » الترمذي (2322)

♦ بالعلم يكثر أجر العامل:

وبالعلم يعظم أجر المؤمن ، ويصحح نيته ، فيحسن عمله ، وإذا كان النَّاس لا يشغفون بالمال عن العلم ، فإنَّ فضل العلم على المال أعظم ، وقد فصل لنا الشرع في هذه القضية ، فقد قسَّم رسول الله النَّاس على أصناف أربعة ، جعل الناجين منهم صنفين ، وهما من تلبس بالعلم .

فعن أبي كبشة الأنماري أنه سمع رسول الله ﷺ يقول : « ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللهُ عِزًّا” . وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا. وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ :

عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَعِلْمًا ، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ لِلهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا ،فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ ،يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ ،

وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ،وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ . » الترمذي (2325)

فقد جعل النبي ﷺ العلم الحقيقي هو العلم الذي يبصر المرء بحقائق الأمور ، فصاحب المال إذا لم يتحلَ بالعلم فإنَّه سيسيء التصرف فيه ، فتجده ينفقه على شهوات نفسه ، ولا يعرف شكر هذه النعمة ، ولذلك استحق أن يكون بأخبث المنازل ، والعياذ بالله .

وجعل العالم الذي يعرف قدر المال الحقيقي وفيم ينفقه  فبعلمه نوى نية صالحة بأعلى المنازل ، وإن لم ينفق .

♦ الاستغفار للعالم:

ويكفي صاحب العلم فضلاً أنَّ الله يسخر له كل شيء ليستغفر له ويدعو له ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال : « صاحب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر» أبو يعلى(3082).

♦ طلبة العلم هم وصية رسول الله ﷺ:

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « سيأتيكم أقوام يطلبون العلم ، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم : مرحبًا بوصية رسول الله وأقنوهم ـ عَلِّمُوهُمْ »ابن ماجه (247).

♦ إشراقة وجوه العلماء ونضارتها:

وأهل العلم الذين يبلغون الناس شرع الله تعالى هم أنضر الناس وجوهًا ، وأشرفهم مقامًا ، بدعاء رسول الله ﷺ لهم .

قال ﷺ : «نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، رب حامل فقه إلى ‌من هو أفقه»  ابن ماجه (230).

♦ منة الله على أنبيائه بالعلم:

ومن شرف العلم وفضله أنَّ الله امتن على أنبيائه ورسله بما آتاهم من العلم ، دلالة على عظم المنَّة . فذكر نعمته على نبينا محمد ﷺ فقال الله تعالى : (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيمًا ) [ النساء:113 ]

وعلى خليله إبراهيم، قال تعالى : (إنَّ إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين شاكرًا لأنعمه)  [النحل: 120-121 ]

وعلى نبيه يوسف  (ولما بلغ أشده آتيناه حكمًا وعلمًا وكذلك نجزي المحسنين)[يوسف : 22 ]

وعلى كليمه موسى   (ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكمًا وعلمًا وكذلك نجزي المحسنين )[القصص:114 ]

وعلى المسيح عيسى بن مريم :(يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل)[ المائدة : 110 ]

♦ شرف الانتساب إليه:

قال علي بن أبي طالب : ومن شرف العلم وفضله أنَّ كل من نسب إليه فرح بذلك ، وإنْ لم يكن من أهله ، وكل من دفع عنه ونسب إلى الجهل عزَّ عليه ونال ذلك من نفسه ، وإنْ كان جاهلاً.

♦ العلماء هم أكثر الناس خشية من الله تعالى:

قال الله تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[ فاطر:28]

وقال تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)[الإسراء :107-109 ]

♦ العلماء من أفضل المجاهدين:

إذ من الجهاد ، الجهاد بالحجة والبيان ، وهذا جهاد الأئمة من ورثة الأنبياء ، وهو أعظم منفعة من الجهاد باليد واللسان ، لشدة مؤنته ، وكثرة العدو فيه .

قال تعالى:( وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا﴿51﴾ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴿52﴾ ([الفرقان : 51-52 ]

يقول ابن القيم : ” فهذا جهاد لهم بالقرآن ، وهو أكبر الجهادين ، وهو جهاد المنافقين أيضًا ، فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين ، بل كانوا معهم في الظاهر ، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم ، ومع هذا فقد قال تعالى:(يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم)

ومعلوم أنَّ جهاد المنافقين بالحجة والقرآن .

والمقصود أنَّ سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم ، ودعوة الخلق به إلى الله “

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو في منزلة المجاهد في سبيل الله ، ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره» ابن ماجه (227)

♦ شرف العلماء ببذل علمهم ( التنافس في بذل العلم ):

ولم يجعل الله التحاسد إلا في أمرين : بذل المال ، وبذل العلم ، وهذا لشرف الصنيعين ، وحث النَّاس على التنافس في وجوه الخير .

عن عبد الله بن مسعود قال : قال النبي ﷺ :«لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها» البخاري (1409) ومسلم (815)

وصدق الشافعي رحمه الله؛ حيث قال:

 

تعلَّم فليس المرءُ يولدُ عالِمًا   وليس أخو علمٍ كمن هو جاهلُ

وإن كبير القوم لا علم عنده    صغير إذا التفت إليه المحافلُ

وإن صغير القوم إن كان عالِمًا   كبير إذا ردت إليه المحافل

 

ويقول عبدالله بن الإمام أحمد رحمه الله: قلت لأبي: “أي رجل الشافعي؟ فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ قال: يا بني، كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للبدن، فهل لهذين من خلف؟ أو منهما من عوض؟

يقول ميمون بن مهران رحمه الله: “العلماء هم ضالتي في كل بلد، وهم بغيتي إذا لم أجدهم، ووجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء”.

 ويقول أيضًا رحمه الله: “إن مثل العالِم في البلد كمثل عين عذبة في البلد”؛

أنشد أحمد بن غزال رحمه الله فقال:

 

الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها    متى يمت عالم منها يمت طرف

كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها  وإن أبى عاث في أكنافها التلف

 

رزقنا العلم النافع و العمل الصالح بمنه و كرمه

و صلى الله على سيد المعلمين و على آله و صحبه أجمعين