سلسلة شعب إيمانية | تعظيم النبي ﷺ وتوقيره | المقالة الحادية والثلاثون | د. محمد فايز عوض

تعظيم النبي ﷺ وتوقيره

♦  المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

من حق النبي ﷺ على أمته أن يُهابَ ويعظَّم ويوقّر أكثر من كل ولد لوالده، ومن كل عبد لسيده، فهذا حق من حقوقه الواجبة. وهو ما أمر الله به في كتابه العزيز قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}[الفتح : 9].

وقال تعالى: { فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الاعراف : 157].

ومعنى التعزير: اسمٌ جامع لنصره وتأييده ، ومنعه من كل ما يؤذيه.

و التوقير: اسم جامع لكلِّ ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام ، وأن يعامَل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حدّ الوقار.

ومعنى التعظيم: التبجيل ، وقد استخدمه العلماء في كلامهم عند هذه المسألة ، وذلك لقربه في المعنى إلى ذهن السامع ، ولتأديته للمعنى المراد من لفظتي (التعزير) و(التوقير).

إنّ تعظيمَ النبي ﷺ وإجلالَه وتوقيرَه شعبةٌ عظيمةٌ من شعب الإيمان، وهذه الشعبةُ غير شعبة المحبة ، بل إنَّ منزلتها ورتبتَها فوقَ منزلة ورتبة المحبة ، ذلك لأنّه ليس كلُّ محبٍّ معظِّماً ، ألا ترى أنّ الوالدَ يحبُّ ولده ، ولكن حبه إياه يدعوه إلى تكريمه ، ولا يدعوه إلى تعظيمه ، والولدَ يحب والده فيجمع بين التكريم والتعظيم ، فعلمنا بذلك أنَّ التعظيم رتبته فوق رتبة المحبة.

♦  تأكيد القران الكريم على حق النبي ﷺ أن يعظم 

وفي القران الكريم آيات كثيرة جاء فيها التأكيد على هذا الحق من حقوقه ﷺ وبخاصة في جوانب معينة من جوانب تعظيمه، ومن تلك الآيات ما يلي:

أ ـ قوله تعالى:{لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}  [النور: 63]. ففي هذه الآية نهيٌ من الله أن يدعى رسول الله ﷺ بغلظة وجفاء، وأمرهم أن يدعوه بلين وتواضع، وأمرهم أن يفخّموه ويشرّفوه.

والله سبحانه أكرمه في مخاطبته إياه بما لم يكرمْ به أحداً من الأنبياء ، فلم يدعُه باسمه في القران قط بل يقول: ﱡ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﱠ[الأحزاب: 28]

وقال تعالى: ﱡﭐ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﱠ[المائدة: 67]

ب ـ وقال تعالى: ﱡيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿1﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴿2﴾ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿3﴾ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴿4﴾ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿5﴾ ﱠ الحجرات

ج ـ وقال تعالى:{مَا كَانَ لأِهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ } [التوبة : 120].

د ـ وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِيناً }[الاحزاب : 57].

فهذه الآيات و أمثالها تبيّنُ لنا حقوق رسول الله ﷺ، وأنّه أجلّ وأعظمُ وأكرمُ وألزمُ لنا وأوجبُ علينا من حقوق الآباء على أولادهم، لأنّ الله أنقذنا به من النار في الاخرة ، وعصم به أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة ، فهدانا به لأمر إن أطعناه كانت طاعته سبباً في دخول جنات النعيم ، فأيُّ نعمة توازي هذه النعم؟! وأية مِنّةٍ تداني هذه المنن؟! فحقٌّ علينا إذن أن نحبّه ونجلّه ونعظّمه ونهابه ، فبهذا نكون من المفلحين:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطِّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الأعراف: 157].

فالآية بيّنت أنّ الفلاح إنّما يكون لمن جمع إلى الإيمان به تعزيره ولا خلاف أن التعزير هنا التعظيم، فلقد سجل الله في هذه الآية الفلاح بأسلوب الحصر للذين تأدّبوا بهذا الأدب القرآني الرفيع،

♦ خصائص الرسول ﷺ التكريمية

ومما يدل على عظيم قدره، ورفعة مكانته عند ربه ، الخصائص التي أمتنّ الله بها على عبده ورسوله محمد ﷺ، والتي تدلل على تشريف الله عز وجل وتكريمه لنبيه محمد ﷺ، فقد أكرم الله نبينا محمداً بخصائص في الدنيا والاخرة دلّت على علو قدره ، ورفعة مكانته ، وسموّ منزلته عند الخالق تبارك وتعالى ، فقد قال تعالى في محكم تنزيله:{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء : 113].

ففي هذه الآية يمتنُّ الله على نبيه ﷺ بما أسبغَ عليه من الفضائل، التي هي المناقب والمراتب التي أعطاه الله إياه، وميّزه بها على بقية أنبيائه، فالله سبحانه فضّل بعض الرسل على بعض، فقال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253].

فكان لنبيّنا محمد ﷺ النصيبُ الأوفر من هذا الفضل، فقد خصّه الله وميّزه بخصائص ومناقب دنيوية وأخروية، فُضِّلَ بها على سائر الأنبياء، ومَنْ سواهم من البشر.

ومن هذه الخصائص على وجه الاختصار:

أ ـ أخذ العهد له ﷺ على جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام:

قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } [ال عمران: 81].

ب ـ أنه ﷺ أكثرُ الأنبياء تبعاً:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «ما مِنْ نبيٍّ إلا أُعْطِيَ من الآيات ما مِثْلُهُ آمنَ عليه البشرُ، وإنّما كان الذي أُوْتِيْتُه وَحْياً أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكونَ أكثرَهم تابعاً يوم القيامة» البخاري (7274)، ومسلم (152)

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «أنا أكثرُ الأنبياء تبعاً يوم القيامة» مسلم(169)

ج ـ أنّ قرنه ﷺ خيرُ قرون بني آدم كما أنه خير قرون أمته والقرون التي تلي قرنه ﷺ:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «بُعِثْتُ من خيرِ قرونِ بني آدم قرناً فقرناً حتى كنتُ من القرنِ الذي كنتُ فيه» البخاري (3557).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «خيرُ الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» البخاري (3651).

د ـ أن الله تعالى أخبره أنه غَفَرَ له ما تقدّمَ من ذنبه وما تأخّرَ وهو حيٌّ صحيحٌ يمشي على الأرض قال تعالى:

{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِيناً *لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا *وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح : 1 ـ 3].

هـ أن الله رفع له ذكره: قال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4].

فلا يذكر الله سبحانه إلا ذكر معه ، ولا تصحُّ للأمة خطبةٌ ولا تشهّدٌ حتى يشهدوا أنّه عبده ورسوله ، وأوجب ذكره في كل خطبة ، وفي الشهادتين اللتين هي عمادُ الدين ، إلى غير ذلك من المواضع.

و ـ أن الله أقسم بحياته ﷺ: قال تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر : 72].

والإقسامُ بحياة المقسَم بحياته يدلُّ على شرف حياته، وعزتها عند المقسم بها، وأنّ حياته ﷺ لجديرةٌ أن يقسَمَ بها لما فيها من البركة العامة والخاصة، ولم يثبت هذا لغيره ﷺ.

ـ أن الله وقره في ندائه، فناداه بأحبِّ أسمائه وأحسنِ أوصافه، فقال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ}:

وهذه الخصيصة لم تثبت لغيره ، بل ثبت أنَّ كلا منهم نودي باسمه ، فقال تعالى: {يا زكريا إِنَّا نُبَشِّرُكَ}[مريم :7] {يا يحيى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[مريم :12] {يا داوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ}[ص :27] {يا آدم اسْكُنْ}[البقرة :35] {يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ}[هود :48] {يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ}[هود :81]

فمن دُعِيَ بأفضل أوصافه وأخلاقه كان ذلك مبالغة في تعظيمه واحترامه.

ح ـ أن الله نهى الأمة أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته ﷺ ولا يجهروا له بالقول ، كما هو الحال بين الناس ، حتى لا تحبطَ أعمالهم:

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ افتقد ثابتَ بن قيس ، فقال رجلٌ: يا رسول الله أنا أعلمُ لك عِلْمَه ، فأتاه ، فوجده جالساً في بيته منكِّساً رأسَه ، فقال له ما شأنك؟. فقال: شر. كان يرفعُ صوته فوقَ صوت النبي ﷺ، فقد حبط عمله ، وهو من أهل النار ، فأتى الرجلُ النبيَّ ﷺ فأخبره أنّه قال كذا وكذا ، فقال موسى ، فرجع إليه المرة الاخرة ببشارةٍ عظيمة ، فقال: «اذهب إليه فقل له: إنكَ لستَ من أهل النار ، ولكنّك من أهلِ الجنَّة».

قال عبد الله بن الزبير بن العوام: ما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمعُ رسول الله ﷺ بعد هذه الآية حتى يستفهمه. البخاري (4845)

ي ـ أن الله أمرَ الأمةَ بأنهم إذا أرادوا أن يناجوه ﷺ                                                         بأن يقدّموا بين يدي نجواهم صدقةً ، ثم نسخ ذلك ، وأمرهم بالطاعة:

قال تعالى ﱡﭐ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۚ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿12﴾ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ۚ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿13﴾  المجادلة

ك ـ ما وهبه الله له من المعجزات التي تميزت عن معجزات من قبله من الأنبياء:

فمعجزة سيد الأولين والآخرين هي القران العظيم، الباقي إلى يوم الدين، الذي لا تنضبُ معانيه، ولا تفنى عجائبه، ولا تنقطع فوائده ، وهو المحفوظ ـ بحفظ الله له ـ من التغيير والتبديل والتحريف ، فيه دواء وشفاء ، ومواعظ وأحكام ، فيه خبرُ مَنْ سبقنا ، وأحوالُ منْ بعدنا ، وهو حبلُ الله المتين ، مَنْ آمن به واتبعه رشد ، ومن تركه وضلّ عنه غوى وهلك ، وخاب وخسر ، فهو المعجزة الخالدة الباقية ما بقي الإنسان في هذه الدنيا ، بينما تصرّمت وانقرضت معجزاتُ مَنْ قبله من الأنبياء.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» البخاري(4981)

ل ـ أنه سيد ولد آدم يوم القيامة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ «أنا سيدُ ولدِ آدم يوم القيامة ، وأوّلُ من يَنْشَقُّ عنه القبر ، وأوّلُ شافعٍ وأوّلُ مشفّع» مسلم(2278)

وسيادة النبي ﷺ للناس يوم القيامة تظهر واضحة جلية بما سيناله من الشرف العظيم يوم القيامة، وعلى رأس ذلك الشرفِ شفاعتُه في أهل الموقف، واختصاصه بذلك من بين الأنبياء والرسل.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنّا مع النبي ﷺ في دعوةٍ، فرُفعت إليه الذراعُ ـ وكانت تُعْجِبُه ـ فنهسَ منها نهسةً، قال: «أنا سيد الناسِ يومَ القيامة، هل تدرون بمن يجمع الله الأولين والاخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيقول بعض الناس: ألا ترون ما أنتم فيه إلى ما أبلغكم؟! ألا تنظرون إلى من شفع لكم إلى ربكم؟!.فيقول بعض الناس: أبوكم آدم، فيأتونه فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك مِنْ روحه ، وأمر الملائكةَ فسجدوا لك ، وأسكنك الجنة ، ألا تشفع لنا إلى ربك؟! ألا ترى ما نحن فيه ما بلغنا؟!.فيقول: ربي غَضِبَ غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولا يغضب بعده مثله ، ونهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وسمّاك الله عبداً شكوراً ، أما ترى ما نحن فيه؟! ألا ترى إلى ما بلغنا؟! ألا تشفع لنا إلى ربك؟.فيقول: ربي غضبَ اليومَ غضباً لم يغضبْ قبله مثله ، ولا يغضبُ بعده مثله ، نفسي نفسي ، حتى ينتهوا إلى عيسى عليه السلام فيقول لهم: ائتوا النبيَّ ﷺ فيأتوني ، فأسجدُ تحت العرش ، فيقال: يا محمدُ ارفع رأسك ، واشفع تشفَّع ، وسل تعطه» البخاري ) 3340) .

م ـ أن الله جعل لواء الحمد بيد النبي ﷺ يوم القيامة:

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ«أنا سيّدُ الناس يوم القيامة ولا فخرَ ، ما مِنْ أحدٍ إلا هو تحت لوائي يوم القيامة ينتظِرُ الفرجَ ، وإن معي لواءَ الحمد ، أنا أمشي ويمشي الناس معي ، حتى اتي باب الجنة ، فأستفتح ، فيقال: من هذا؟ فأقول محمد ، فيقال: مرحباً بمحمد ، فإذا رأيتُ ربي خررت له ساجداً أنظر إليه» الترمذي   (3148).

فهذه الخصيصةُ وغيرُها من الخصائص تدلُّ على علوِّ مرتبته ﷺ، وعلوّ منزلته ، إذ لا معنى للتفضيل إلا التخصيص بالمناقب والمراتب.

فلكل ما سبق بيانه يجب علينا تعظيم رسول الله ﷺ و توقيره و هذا يكون باللسان بتعداد فضائله وخصائصه ومعجزاته ودلائل نبوته وتعريف الناس بسنته وتعليمهم إياها، وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه، وذِكر صفاته وأخلاقه وخلاله، وما كان من أمر دعوته وسيرته وغزواته، والتَّمدُّح بذلك شِعراً ونثراً،

وأمَّا تعظيمه ﷺ بالجوارح: فيكون بالعمل بشريعته، وتحكيمها والرضا بحكمها والتسليم لها، ودعوة الناس إليها، وتبليغها للناس، والسعي في إظهارها، والذب عنها وتعلُّمها وتعليمها، وجهاد مَنْ خالفها، واجتناب ما نهت عنه الشريعة، والبعد عن المعاصي والمخالفات، والتوبة والاستغفار عما وقع من التقصير والزلل، وفقنا الله إلى كل خير و الحمد لله رب العالمين.