سلسلة إشراقات إيمانية في شهر الصيام | المقالة الحادية عشرة | د. عبد السيميع ياقتي

حياة السلف في رمضان

 

مقدمة: تتضمن آيات و أحاديث عن شهر رمضان المبارك

      • الآيات الكريمة في فضل شهر رمضان :
                  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة، 183].
        ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ۚ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة، 184].
        ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ۞ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ۞ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ۞ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ۞ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ[القدر].
      • الأحاديث الشريفة :
        – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة» رواه الترمذي- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم» رواه النسائي
        – وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله كان يقول: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر» (رواه البخاري ومسلم).

        – عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» (رواه البخاري ومسلم).

        عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» (رواه البخاري ومسلم).

        عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  : «إن في الجنة بابًا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم، أغلق فلم يدخل منه أحد» (رواه البخاري ومسلم).

        عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله، يوم القيامة، من ريح المسك» (رواه البخاري ومسلم).

 

بعد أن استمعنا إلى هذه الآيات و الأحاديث الشريفة

أقول لكم أحبتي …
إن إدراك حقيقة رمضان و معرفة فضله ينتج عنه اختيار منهج أو أسلوب الحياة في رمضان وكيفية التعامل معه، وهذا ما أدركه السلف الصالح فترجموا هذه المعرفة إلى عمل و هذه الحقيقة إلى واقع، فكيف كانت حياتهم في رمضان ..؟

      • نماذج من حياة السلف 

أولاً – نموذج من حياة سيد السلف و الخلف 

          – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة» (رواه البخاري ومسلم). 
كان النبي يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما (أخرجه البخاري).

 

ثانياً – نماذج من حياة الصحابة 

          كان ابن عمر رضي لله تعالى عنهما يصوم، ولا يفطر إلاَّ مع المساكين، يأتي إلى المسجد فيصلي ثم يذهب إلى بيته ومعه مجموعة من المساكين

وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه، أخذ نصيبه من الطعام، وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفْنَةِ، فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً.

حرص الصحابة على أداء صلاة الليل:  

          عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «أفضل الصلاة بعد الفريضة، صلاة الليل» (مسلم).
ومن حرص الصحابة رضوان الله عليهم على صلاة التراويح في رمضان أن أحياها عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وذلك عندما جمع الناس عليها في المساجد؛ عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: (خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون, يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم على أبيِّ بنِ كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله).

ثالثاً – نماذج من حياة التابعين و من بعدهم من العلماء العاملين

          لقد ثبت أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم. وقال عبد العزيز بن أبي داوُد : أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم: أيقبل منهم أم لا؟

يقول يونس بن يزيد: كان ابن شهاب – الزهري – إذا دخل رمضان؛ – قال: فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام

 

 السلف والقرآن في رمضان: 

          نجد أن حال السلف مع القرآن في رمضان حال المستنفر نفسه لارتقاء المعالي، فمنهم الإمام مالك بن أنس؛ الذي لا تنقطع دروسه في مسجد النبي يوقفها في رمضان؛ ويُقبل على تلاوة القرآن من المصحف.

– وكان سفيان الثوري رحمه الله إذا دخل رمضان ترك جميع العبادات، وأقبل على قراءة القرآن.

– وكان قتادة يختم القرآن في سبع، – أي كل سبع ليالي يقرأ القرآن مرة -، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاثٍ، فإذا جاء العشر الأواخر ختم كل ليلةٍ.

– وقال الربيع بن سليمان – تلميذ الشافعي رحمه الله -: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة، -يعني في كل ليلة يختمه مرتين- وفي كل شهر ثلاثين – أي في غير رمضان – ختمة. [صفة الصفوة: 2/ 255].

– وكان محمد بن إسماعيل البخاري – صاحب الصحيح – يختم في رمضان في النهار كلَّ يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كلَّ ثلاثَ ليال بختمة. [صفة الصفوة: 4/ 170].

– وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في كل ليلتين.

 

السلف وإطعام الطعام في رمضان:

          ذكر ابن رجب في كتابه لطائف المعارف قال : (كان ابن عمر يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم، لم يتعشَّ تلك الليلة.. وكان إذا جاء سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة، فيصبح صائماً.. ولم يأكل شيئاً).

وجاء سائل إلى الإمام أحمد، فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره، ثم طوى، وأصبح صائماً) ((لطائف المعارف)) لابن رجب (ص185)

كان حماد بن أبي سليمان يفطِّر في شهر رمضان خمسَ مئةِ إنسانٍ، – طيلة شهر رمضان هو مسؤول عنهم وعن تفطيرهم – وإنه كان يعطيهم بعد العيد لكلِّ واحدٍ – منهم – مائة درهم.

 

السلف والقيام في رمضان :

          عن السائب بن يزيد قال: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميماُ الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس في رمضان فكان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلاّ في فروع الفجر. [أخرجه البيهقي].

وعن مالك عن عبد الله بن أبي بكر قال: سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان من القيام فيستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر [أخرجه مالك في الموطأ].

وقال نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقوم في بيته في شهر رمضان فإذا انصرف الناس من المسجد أخذ إداوة من ماء ثم يخرج إلى مسجد رسول الله  ثم لا يخرج منه حتى يصلي فيه الصبح [أخرجه البيهقي].

وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى ثم يقول: اللهم إن جهنم لا تدعني أنام فيقوم إلى مصلاه.

وكان طاوُس يثب من على فراشه ثم يتطهر ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول: طيّر ذكر جهنم نوم العابدين.

وعن نافع بن عمر بن عبد الله قال: سمعت ابن أبي ملكية يقول: كنت أقوم بالناس في شهر رمضان فأقرأ في الركعة الحمد لله فاطر ونحوها وما يبلغني أنّ أحدا يستثقل ذلك [أخرجه ابن أبي شيبة].

رابعاً – نماذج معاصرة من حياة أهل مدينة تريم

          قصة الحبيب عمر كيف كان يختم في شهر رمضان ختمتين في صلاة التراويح

    • خاتمة 

ما هي الحكمة من معرفة حياة السلف؟

  • الاقتداء بهم و التشبه بهم.. قال ابن رجب: قال الشافعي رضي الله عنه: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل كثير منهم بالصّوم والصلاة عن مكاسبهم.
  • شحذ الهمم للعمل و الزيادة من الطاعات في رمضان و استثمار اللحظات.

 

سؤال:

* هل يعني اغتنام شهر رمضان ترك العمل و الاهتمام بالمسؤوليات المجتمعية.

* كيف أوفق بين عباداتي في رمضان و بين عملي و القيام بمسؤولياتي ..؟

الجواب : العمل عبادة و لكن بشرطين اثنين:

  • أن يكون نافعاً
  • استحضار النية الصادقة الخالصة لله تعالى.