سلسلة إرشاد الشباب | الموسم الأول ” الشباب والدين ” |المقالة الثانية | كيف أكون مؤمناً حقاً | الشيخ عبد السميع ياقتي

 كيف أكون مسلماً حقاً

♦ مقدمة

الحمد لله رب العالمين القائل ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ و الصلاة و السلم على سيدنا محمد رسول الإسلام إلى الأنام ، و على آله و صحبه الكرام ، و التابعين لهم بإحسان و العلماء العاملين و جميع المسلمين إلى يوم الدين .

بعد أن تكلمنا في المقالة السابقة عن الإيمان و معناه، وحقيقته و ثمرته، نتكلم الآن في هذه المقالة عن الإسلام و معناه ، ومفهومه العام والخاص، و نوضح الفرق بين معنى الديانات السماوية و الشرائع السماوية ، ثم سنتكلم عن أركان الإسلام الخمسة و وجوب تعلمها و العمل بها ،لأنه لا يتحقق إسلام المرء إلا بها ،ثم سنناقش بعض القضايا ذات الصلة بمفهوم الإسلام الحقيقي و كيف ينبغي على المسلم أن يراعيها و يعمل بها .

♦ معنى الإسلام

فالإسلام لغة : هو الاستسلام و الخضوع لأمر ما

و اصطلاحاً : هو الخضوع والامتثال والانقياد لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم مما علم من الدين بالضرورة، و هذا هو المعنى الخاص

وأما المعنى العام للإسلام فهو الدين الواحد ، كما قال الله تعالى : ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ﴾

وقد عرفنا سابقاً معنى الإيمان، وقلنا بأنه: التصديق، وهو الإذعان القلبي والإقرار الداخلي بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، في كل ما جاء به، وعلم من الدين بالضرورة.

فهل هناك فرق بينهما ..؟

قال العلماء: هما من المعاني التي إذا اجتمعت إفترقت ، و إذا افترقت إجتمعت ..

 مثلاً في قوله تعالى : ﴿ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ هنا قد افترقت و ذكرت في موضعين فكل لفظ يدل على نفس المعنى

و أما في قوله تعالى : ﴿قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ وهنا قد أفادت معنى مختلفاً.

و هناك مصطلح ثالث لابد لنا أن نتعرف عليه لصلته بموضوعنا و هو الشريعة.

و هي تُطلق على الدين عامة أو على الملة والطريقة والمنهاج والسنة.

والشريعة والشرع والشرِّعْة بمعنى واحد

♦ التفريق بين الدين والشريعة

وهنا نذكر فائدة في التفريق بين الدين والشريعة، و ما يتفرع عنها من التفريق بين التسامح الديني و التعايش الديني

فالإسلام بمفهومه العام هو الدين الواحد الذي جاء به كل الأنبياء و الرسل عليهم السلام، يقول تعالى : ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ﴾

و أما الشريعة فهي الرسالة التي جاء بها كل نبي إلى قومه كما قال تعالى : ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ ، و هي بالنسبة لنا نحن المسلمين ،الإسلام بمفهومه الخاص و هي الشريعة الإسلامية.

و قد عبر النبي صلى الله عليه و سلم عن هذا المعنى ، فقال – كما جاء في حَديثَ البخاري و غيره – : (الأنبياءُ إخوَةٌ لعَلّاتٍ: دِينُهم واحِدٌ، وأُمَّهاتُهم شَتّى ) فقد شبه الأنبياء بالأخوة لأب ، أباهم واحد – و هو الدين و التوحيد – و أمهاتهم شتى ،و هي الشرائع و الأحكام.

و بناءاً على ذلك لا يمكن دمج الشرائع بعضها ببعض أو كما يروج له بالتسامح الديني ،و إنما هناك ما يسمى بالتعايش الديني و حسن التعامل مع غير المسلمين ، و هذا أمر مطلوب في ديننا.

بعد هذه المقدمة المهمة و الضرورية ، نعود إلى موضوعنا في الكلام عن الإسلام بمفهومه الخاص ثم نجيب عن السؤال المحوري هنا ” كيف أكون مسلماً حقاً: “

نذكر هنا ثلاثة أحاديث وردت في هذا السياق :

أولاً – حديث جبريل عليه السلام و قد بين فيه أركان الإسلام الخمسة.

ثانياً – حديث الأعرابي ( ضِمامُ بنُ ثَعلبةَ ) الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم.

فعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ ولَا يُفْقَهُ ما يقولُ، حتَّى دَنَا، فَإِذَا هو يَسْأَلُ عَنِ الإسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ” خَمْسُ صَلَوَاتٍ في اليَومِ واللَّيْلَةِ. فَقالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قالَ: لَا، إلَّا أنْ تَطَوَّعَ. قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وصِيَامُ رَمَضَانَ. قالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قالَ: لَا، إلَّا أنْ تَطَوَّعَ. قالَ: وذَكَرَ له رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الزَّكَاةَ، قالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قالَ: لَا، إلَّا أنْ تَطَوَّعَ. قالَ: فأدْبَرَ الرَّجُلُ وهو يقولُ: واللَّهِ لا أزِيدُ علَى هذا ولَا أنْقُصُ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أفْلَحَ إنْ صَدَقَ ” متفق عليه.

ثالثاً – أما الحديث الثالث فهو ” بني الإسلام على خمس ” من حديث سيدنا عبد الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حيث قَالَ:

” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ،وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ،وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ،وَالْحَجِّ ،وَصَوْمِ رَمَضَانَ ” متفق عليه

و سنتناول هذا الحديث بالشرح و التفصيل. :

فهو” أصل عظيم في معرفة الدين، وعليه اعتماده، وقد جمع أركانه في لفظ بليغ وجيز ” كما قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (1/ 160 ح 16).

 وقال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله -: “هو حديث عظيم، أحد قواعد الإسلام، وجوامع الأحكام؛ إذ فيه معرفة الدين، وما يعتمد عليه، ومجمع أركانه، وكلها منصوص عليها في القرآن، وهو داخل ضمن حديث جبريل . فتح المبين لشرح الأربعين، للهيتمي (82)

المعنى العام للحديث :

((بني الإسلام على خمسٍ))؛ أي: فمن أتى بهذه الخمس فقد أتم إسلامه، كما أن البيت يتم بأركانه كذلك الإسلام يتم بأركانه، وهي خمس، وهذا بناء معنوي شبه بالحسي

 قال ابن رجب – رحمه الله -: “والمقصود تمثيل الإسلام ببنيان، ودعائم البنيان هذه الخمس، فلا يثبت البنيان بدونها، وبقية خصال الإسلام كتتمة البنيان، فإذا فقد منها شيء نقص البنيان ” (جامع العلوم والحكم 1/ 88 ) .

((شهادة أن لا إله إلا الله))؛ أي: أن تعترف بلسانك وقلبك أن لا معبود بحق إلا الله،

((وأن محمدًا رسول الله))؛ أي: الإقرار باللسان والإيمان بالقلب بأن محمد بن عبد الله رسول الله إلى جميع الخلق من الجن والإنس؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: 158] ومقتضى هذه الشهادة أن تصدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، وأن تمتثل أمره فيما أمر، وأن تجتنب ما نهى عنه وزجر.

((وإقام الصلاة)) وهي خمس صلوات في اليوم والليلة، والمراد بإقامتها المحافظة عليها في أوقاتها مع آدابها و سننها .. قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]، قال ابن عباس: أي فرضًا مفروضًا.

((وإيتاء الزكاة))؛ أي: إعطائها إلى أهلها ومستحقيها، وفي الحديث: ((ما من صاحب ذهبٍ ولا فضةٍ، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نارٍ، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار)) رواه مسلم.

((وحج البيت))؛ أي: الكعبة، وهو واجب على المسلم العاقل البالغ الحر المستطيع.

 ((وصوم رمضان))؛ أي: صوم شهر رمضان، وهو الإمساك عن المفطرات من الفجر إلى غروب الشمس

♦ والآن نجيب عن السؤال المحوري في حلقتنا هذه ” كيف أكون مسلماً حقاً “

فالإسلام هو الترجمة الحقيقية لما وقر في القلب من الإيمان و صدقه العمل الظاهري بالجوارح ، والإتيان بالشهادة العظيمة والعمل بمقتضاها ، وأداء الفرائض وسائر الأركان ،و الالتزام بأحكام الحلال و الحرام ، والتحقق بأوصاف المسلم الحق التي ذكرها النبي صلى الله عليه و سلم في الأحاديث ، و منها :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:” المسلِمُ أخو المسلِمِ لا يخونُهُ ولا يَكذِبُهُ ولا يخذلُهُ كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ عرضُهُ ومالُهُ ودمُهُ التَّقوى هَهنا بحسبِ امرئٍ منَ الشَّرِّ أن يحتقرَ أخاهُ المسلمَ ” أخرجه مسلم و الترمذي.

و في رواية الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع الليثي أبي فسيلة :” المسلِمُ على المسلِمِ حرامٌ، دَمُهُ، وعِرْضُهُ، ومالُهُ، المسلِمُ أخو المسلِمِ، لا يَظلِمُهُ ولا يخذُلُهُ، والتَّقْوى هاهنا، وأومأ بيدِهِ إلى القلبِ. قال: وحَسْبُ امرِئٍ مِن الشرِّ أن يَحقِرَ أخاه المسلِم “.

 

اللهم ارزقنا كمال الإيمان و الإسلام و تمام العمل بالأركان ،و حسن الأخلاق والتعامل مع سائر الأنام

و الحمد لله رب العالمين

و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على آله و أصحابه أجمعين