سلسلة إرشاد الشباب | الموسم الأول ” الشباب والدين ” |المقالة السادسة | كن عالماً أو متعلماً | الشيخ عبد السميع ياقتي

كن عالماً أو متعلماً

    الحمدُ لِلَّهِ رب العالمين، و الصلاة و السلام على سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ سيد المعلمين، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ

(خيركم من تعلم القرآن و علمه) هكذا قال عليه الصلاة و السلام محدداً و موضحاً معيار الخيرية في الأمة، و داعياً إياها إلى اختيار التعلم و التعليم منهجاً لها في حياتها.

كما ورد في البخاري عن سيدنا عثمان بن عفّان رضي الله عنه

فكيف نصل إلى هذه المرتبة العظيمة من الخيرية و الأفضلية، و كيف نختار العلوم النافعة و كيف نطلبها، و ما هي آدابها و ما هي فضائلها .. كل هذه القضايا وغيرها سنناقشها إن شاء الله تعالى في هذه المقالة المميزة ،و التي هي بعنوان ” كن عالماً أو متعلماً” ضمن سلسلة إرشاد الشباب في موسمه الأول الذي يناقش قضايا الشباب و الدين

تكلمنا في المقالة السابقة عن أهمية طلب العلم في الإسلام و بيان مكانته في هذا الدين العظيم و بيان فضله و فضل العلماء العاملين الصادقين ، و الدعوة إلى اكتساب العلم و تحصيله و تلقيه عن أهله ،بشتى الطرق و المسالك الموصلة إليه مع العمل به، و ذكرنا حديث سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :”  من سلك طريقًا يطلُبُ فيه عِلمًا، سلك اللهُ به طريقًا من طرُقِ الجنَّةِ، والملائكةُ تضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العلمِ، وإنّ العالِمَ ليستغفرُ له من في السَّماواتِ ومن في الأرضِ، والِحيتانُ في الماءِ، وفضلُ العالِمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ، إنّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إنّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وأَوْرثوا العلمَ، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ.” (هذا الحديث أخرجه الحاكم وأصحاب السنن ومنهم أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم)

و سنتكلم اليوم عن ضرورة توجيه الشباب و إرشادهم إلى طريق العلم الذي هو طريق الجنة إن رافقه الإخلاصُ لله ، و العملُ بمقتضاه

فلا ينبغي أن يخلو حال شبابنا اليوم عن أحد هذين المسارين إما التعلم أو التعليم أو الجمع بينهما في آن واحد و هذا أعلى المراتب، و إلا عاشوا في ضياع معرفي ، و تشتت فكري، و ضعف منهجي، و اتباع أعمى، و إهدار للطاقات و القدرات و الأوقات ، و انشغال بما لا ينفع من التافهات، و ربما بالشبهات أو المحرمات و العياذ بالله تعالى

لذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما يروي سيدنا أبو هريرة- رضي الله عنه:” الدّنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلّا ذكر الله، وما والاه، أو عالماً أو متعلّماً “ (الترمذي ٢٣٢٢ وقال: حسن غريب. وابن ماجة ٤١١٢)

وعَنْ سيدنا عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ” اغْدُ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا، وَلَا تَغْدُ إِمَّعَةً فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ ” (كتاب شرح مشكل الآثار .ص407)

و ورد عنه بلفظ آخر : “اغدُ عالمًا أو متعلمًا أو مستمعا، ولا تكن الرابع فتهلك”.(أخرجه الدارمي في المقدمة ص ٧٩ وابن عبد البر في “جامع بيان العلم” ١/ ٢٩)

والإمَّعةُ هو المُقلِّدُ للآخَرينَ دون وَعْيٍ شَرْعيٍّ ، وهو الذي لا رأْيَ له ولا عَزْمَ؛ فهو يُتابِعُ كلَّ أَحدٍ على رأْيِه، ولا يَثبُتُ على شَيءٍ.و هذا ما سنتكلم عنه في المقالة القادمة إن شاء الله

وعن عَطَاءَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَفَّافُ، عَنْ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُسْتَمِعًا أَوْ مُحِبًّا، وَلَا تَكُنِ الْخَامِسَةَ فَتَهْلِكَ»  والْخَامِسَةُ الَّتِي فِيهَا الْهَلَاكُ قالوا : مُعَادَاةُ الْعُلَمَاءِ، وَبُغْضُهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحِبَّهُمْ فَقَدْ أَبْغَضَهُمْ أَوْ قَارَبَ ذَلِكَ وَفِيهِ الْهَلَاكُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.” (كتاب جامع بيان العلم وفضله – باب قوله صلى الله عليه وسلم العالم والمتعلم شريكان. ص147)

و عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” طَلَب الْعِلم فريضَةٌ عَلَى كُل مُسْلِم فاغد أيهَا الْعَبْدُ عالمًا، أوْ متَعَلمًا, وَلَا خير فيمَا بَينَ ذلِك.” (كتاب جمع الجوامع المعروف ب الجامع الكبير. للسيوطي- ص527)

فهذه النصوص كلها و غيرها جاءت لتوضح ننفس المعنى و لتؤكد ذات المنهج الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم في حياته على حسب أحواله و ظروفه، إما عالماً أو طالب علم أو مستمعاً أو محباً للعلم و أهله، متواضعاً لهم و متأدباً معهم

و الآن نعود للإجابة على السؤال الذي طرحناه بدايةً :

كيف نصل إلى هذه المرتبة العظيمة من الخيرية و الأفضلية، و كيف نختار العلوم النافعة و كيف نطلبها، و ما هي آدابها و ما هي فضائلها..؟

هناك خطوات وآليات :

  1. تحديد النية و الدافع لطلب العلم : و هي أن تكون لله ،فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ تعلَّم علْمًا ممَّا يُبْتَغى به وَجْهُ الله -عز وجل- لا يَتَعلَّمُه إلا لِيُصِيبَ به عَرَضًا من الدنيا، لمْ يَجِدْ عَرْفَ الجنة يومَ القيامة» (أخرجه أبو داود ٣٦٦٤، وابن ماجه ٢٥٢، وأحمد ٨٤٥٧).
  2. تحديد الغاية و الهدف الذي يسعى لحصوله: و هو الدعوة و التبليغ عن الرسول صلى الله عليه و سلم .. فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِع مِنَّا شيئا، فَبَلَّغَهُ كما سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِن سَامِعٍ».”(أخرجه الترمذي ٢٦٥٧ ، وابن ماجه ٢٣٢، وأحمد ٤١٥٧ و غيرهم)
  3. اختيار الشيوخ الربانيين و العلماء الموثوقين ، المتخصصين، المجازين، و المتصلين بالسند المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء هم الذين ينبغي الرجوع إليهم و الأخذ عنهم ،إما مباشرة بالجلوس بين أيديهم في المساجد و المدارس و ….، أو عن بعد عبر وسائل التواصل المسموعة و المرئية المتاحة على حسب الحاجة
  4. اتخاذ منهج علمي متكامل مع العمل به : و هذا يشمل( علم القلوب و الجوارح و الروح) و هو :الإيمان و الإسلام و الإحسان مع العمل بها قدر المستطاع، كما في حديث جبريل عليه السلام
  5. تحديد طرق و وسائل اكتساب العلم المتاحة التقليدية أو التقنية : لذلك النبي صلى الله عليه و سلم قال : “من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً” ،فلم يحدد وسيلة معينة ،و هذا من إعجازه صلى الله عليه و سلم ليشمل كل الطرق و الوسائل في زمانه وفي سائر الأزمان التي بعده بما يتناسب معها
  6. تنظيم الأوقات على حسب حالة التفرغ لطلب العلم
  7. اعتماد وسائل المتابعة و المراجعة و المثابرة : مع المشايخ أو الأهل و غيرهم و خاصة مع رفقاء طريق العلم

و بهذا المنهج القائم على التعلم و التعليم يفشو العلم و ينتشر ، و يقل الجهل و يندثر، و يُتوارث العلم الذي هو ميراث الأنبياء ،و يُحفظ على هذه الأمة علمها و دينها.

يقول سيدنا عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى- في كتابه إلى أبي بكر بن حزم: «انظر ما كان من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاكتبه، فإنّي خفت دروس العلم وذهاب العلماء. ولا تقبل إلّا حديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتّى يعلم من لا يعلم، فإنّ العلم لا يهلك حتّى يكون سرّا.” (فتح الباري (١/ ١٩٤)

 

اللَّهُمَّ وَفِّقْنا إلى ما تحبُّ وترضَى، وخُذْ بِنَواصِينا إلى التقوى، واجْعلْنَا من عبادِكَ الصادقينَ العالمين العاملين المتقينَ الفائزينَ بجناتِ النعيمِ يا ربَّ العالمين.

و الحمد لله رب العالمين

و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على آله و أصحابه أجمعين