سلسلة إرشاد الشباب | الموسم الأول ” الشباب والدين ” |المقالة الأولى | كيف أكون مؤمناً حقاً | الشيخ عبد السميع ياقتي

♦ مقدمة

    أول ما يخطر في بالنا و يتبادر إلى أذهاننا ، و نحن نتكلم عن الدين و الإيمان ،و غرس مبادئ العقيدة في قلوب و عقول الشباب من الفتيات و الفتيان ، حديثُ سيدنا عبد الله بن عباس ، و قد أردفه خلفه صلى الله عليه و سلم على دابته ، و بدأ يعلمه كلمات ، و يهمس في أذنيه همسات ، و يغرس في قلبه العَقُول غرسات طيبات ، صارت بعد ذلك ” كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها “، نعم هذا هو حال سيدنا عبد الله بن عباس ،الذي أثمرت فيه تربية و تعليم النبي صلى الله عليه و سلم و دعائه له، حيث أصبح حبر الأمة و ترجمان القرآن.

   استشعروا معي أحبتي الشباب هذا النداء و هذا الخطاب ،و كأنه موجه إليكم الآن من سيد الأحباب صلى الله عليه و سلم ” يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللهِ، واعلَم أنّ الأمَّةَ لو اجتَمعت على أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ .”

و من هنا ندرك أهمية تعليم شبابنا ، و توجيههم و إرشادهم إلى دين ربهم ، و تنشئتهم عليه ، و هذا المعنى يؤكده حديث جبريل عليه السلام ، حيث جاء في صورة رجل مستفتٍ، ليرشد الصحابة الكرام إلى مهمات دينهم ، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم جلسة المتعلم المتأدب، فسأل النبيَ صلى الله عليه و سلم عن الإسلام و الإيمان و الإحسان و الساعة و علاماتها ، و النبيُ صلى الله عليه و سلم يجيبه ، فيقول له : صدقت.”

♦ و بعد هذه المقدمة و البيان ، فما معنى الدين و الإيمان ؟

الدِّينُ لغة: العادة والشأن، وكذلك المحاسبة، وفي الحديث {الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت} ويأتي أيضا بمعنى الجزاء والمكافأة، يقال: كما تُدِينُ تُدَانُ.

الدين اصطلاحاً: له تعريفات كثيرة منها: ما يتعبد به لله. كالملة والمذهب.

أو ما كان بين الإنسان وربه. وهو في شريعتنا ” الإسلام. “

الإيمان لغةً: التصديق وهو الإذعان القلبي والإقرار الداخلي بصدق أمر ما.

اصطلاحاً: هو تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به وعلم من الدين بالضرورة.

♦ بعض الآيات والأحاديث التي تذكر صوراً يتحقق فيها وصف كمال الإيمان و حقيقته

يقول تعالى في بداية سورة الأنفال : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) ﴾

وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: “الإيمانُ بضعٌ و ستون أو بِضعٌ و سبعون شعبةً، أفضلُها لا إله إلا اللهُ، و أدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ، و الحياءُ شُعبةٌ من الإيمانِ ” أخرجه مسلم ، والبخاري في «الأدب المفرد.»

وعن أنس بن مالك: رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: “ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يَكونَ اللهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النّارِ” متفق عليه.

و من أهم الأمور التي يتحقق فيها الإيمان و يكمل ، محبة النبي صلى الله عليه و سلم و أن يكون هواه تبعاً لما جاء به ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: “لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن ولَدِهِ ووالِدِهِ والنّاسِ أجْمَعِينَ” أخرجه مسلم.

و قال:”لا يؤمنُ أحدُكم حتّى يَكونَ هواهُ تبعًا لمّا جئتُ بِهِ.” ذكره النووي في الأربعين النووية.

وعن أبي هريرة: رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:” أكمَلُ المُؤمِنِينَ إيمانًا أحسَنُهم خُلُقًا” رواه أبو داود.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلا يُؤذيَنَّ جارَه، مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فليُكرِمْ ضَيفَه، مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ، فليَقُلْ خَيْرًا أو ليَسكُتْ ” متفق عليه.

♦ و نذكر الآن صوراً أخرى ينتفي عندها كمال الإيمان و حقيقته و العياذ بالله تعالى

فمن أهمها وأخطرها الإساءة إلى الجيران :

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: “لا واللهِ لا يؤمِنُ، لا واللهِ لا يؤمِنُ، لا واللهِ لا يؤمِنُ. قالوا: ومَن ذاك يا رسولَ اللهِ؟ قال: جارٌ لا يَأمَنُ جارُه بوائِقَه، قيلَ: وما بوائِقُه؟ قال: شَرُّه.” أخرجه أحمد في المسند.

وأيضاً : ارتكاب الكبائر و الموبقات :

فعن عبد الله بن عباس: رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: لا يَزْنِي الزّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَسْرِقُ السّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهو مُؤْمِنٌ البخاري.

و بناءاً على ما سبق فإن الإيمان يزيد و ينقص كما قال جمهور العلماء، يزيد بالطاعات و ينقص بالمعاصي و المنكرات و الموبقات.

♦ و الخلاصة أيها الأحبة في الإجابة على هذا السؤال : كيف أكون مؤمناً حقاً ؟

  • عندما أعتقد جازماً صادقاً من قلبي بأنه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم و أعمل بمقتضى هذه الشهادة العظيمة فأنا مؤمن حقاً
  • عندما أؤمن بكل أركان الإيمان وبكل ما أنزله الله في القرآن وبكل ما جاء به نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام فأنا مؤمن حقاً
  • عندما يمتلئ قلبي و يتزين بحب الله تعالى و رسوله و حب هذا الدين و الإيمان به و كره الكفر و الفسوق و العصيان ، فانا مؤمن حق الإيمان
  • و عندما أتحلى بمكارم الأخلاق و الصفات، و الإحسان و البر بالآباء و الأمهات، و حسن التعامل مع الأهل و الذرية، و الأقارب و الجيران و سائر البرية ، فأنا مؤمن حقاً
  • و أخيرا عندما أترجم إيماني القلبي إلى إيمان عملي فيأمن الناس مني على دمائهم و أموالهم و أعراضهم و سائر آماناتهم فأنا مؤمن حقاً

اللهم ارزقنا كمال الإيمان و الأمان و حسن الأخلاق والتعامل مع سائر الأنام. و الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على آله و أصحابه أجمعين.