سلسلة أخلاق النبي ﷺ| المقالة الثالثة| خلق الرحمة| الرحمة بالنساء والأيتام| الشيخ محمد قيلش
بسم الله الرحمن الرحيم
- رحمته ﷺ بالنساء:
أوصى النبي ﷺ بمعاملة النساء بالحسنى، وأرشد الرجال إلى الرفق بالمرأة سواء أكانت أمًّا أم أختًا أم بنتًا أم زوجة. فمن ذلك قوله ﷺ «خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» [1]، ومنه قوله ﷺ «استوصوا بالنساء خيرًا» [2].
وقد جعل ﷺ للأمِّ الأولويَّة بالمعروف والبر والمصاحبة المقرونة بلين الجانب وطيب الخلُق وحُسْن التعامل، وذلك كما في الحديث المشهور أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: «جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، مَن أحقُّ الناس بحُسن صحابتي؟ قال: أمُّك قال: ثم مَن؟ قال: أمُّك، قال: ثم مَن؟ قال: أمُّك، قال: ثم مَن؟ قال: أبوك» [3]. كما بشَّر الرجال بأن رحمة الأخوات والبنات وحُسْنَ معاملتهنَّ سببٌ لدخول الجنة في أحاديثَ كثيرةٍ، منها قوله ﷺ: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَى لَأْوَائِهِنَّ وَضَرَّائِهِنَّ وَسَرَّائِهِنَّ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُنَّ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ ثِنْتَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَوِ اثِنْتَانِ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ وَاحِدَةٌ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَوْ وَاحِدَةٌ» [4]، ومنها قوله ﷺ:«مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الجَنَّةُ» [5].
وقد بلغ من عظيم رحمته ﷺ بالنساء في سلوكه أنه كان يخفِّف في أحبِّ شيء إليه ﷺ -وهو الصلاة- من أجل رحمته بالأم، فقد ورد عنه ﷺ أنه قال: «إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوَّز في صلاتي؛ كراهيةَ أن أشقَّ على أمِّه» [6].
- رحمته ﷺ بالأيتام والصبيان:
تجلت بإرشاده ﷺ إلى كفالة اليتيم والإحسان إليه والرحمة به، وبشَّر من كان كذلك بصحبته في الجنة فقال: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» [7] وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى ﷺ. وكفالةُ اليتيم هي القيام بمصالحه وتولِّي أموره [8]، وهي تفارق مجرَّدَ الإنفاق على اليتيم الذي مدحه الله تعالى بقوله: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ﴾ [البقرة: 177]، فالكفالة تكون بأن يضمَّ الكافلُ اليتيمَ إلى عياله، فيعامله كمعاملة أبنائه.
وأما رحمته ﷺ بالصبيان فقد ظهرت بتحذيره الشديد من عدم رحمتهم بقوله: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا» [9].
ولم تقتصر رحمته ﷺ على الضعفاء بل تعدَّت ذلك إلى الشباب الذين يتجلَّدون في الغربة لطلب العلم، مع معاناتهم الناشئة عن الشوق إلى أهليهم، فقد ورد عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: «أَتَيْنَا النَّبِيَّ ﷺ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَفِيقًا فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا، أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ… الحديث» [10]، فبعد أن علَّمهم ﷺ ما يكفيهم، ورأى منهم علامات الشوق إلى أهلهم رحمهم وأمرهم بالعودة إليهم وتعليمهم.
وهكذا نجد أن رسول الله ﷺ قد عمَّتْ رحمتُه بني الإنسان جميعًا، وخصوصًا منهم الضعفاء.
_______________________________________
[1] الجامع الصحيح للترمذي، كتاب المناقب، باب فضل أزواج النبي ﷺ، رقم 3895، وقال حسن غريب صحيح.
[2] الجامع الصحيح للبخاري، كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء، حديث رقم 5186. والمسند الصحيح لمسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، حديث رقم 1468.
[3] الجامع الصحيح للبخاري، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة، حديث رقم 5971. والمسند الصحيح لمسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به، حديث رقم 2548.
[4] مسند الإمام أحمد بن حنبل، عن أبي هريرة، حديث رقم 8425. والحديث حسن لغيره.
[5] الجامع الصحيح للترمذي، كتاب أبواب البر والصلة، باب ما جاء في النفقة على البنات والأخوات، رقم 1916، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[6] الجامع الصحيح للبخاري، كتاب صلاة الجماعة والإمامة، باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي، حديث رقم 707.
[7] الجامع الصحيح للبخاري، كتاب الأدب، باب فضل من يعول يتيما، حديث رقم 6005.
[8] انظر عمدة القاري للعيني، 22/ 104.
[9] الجامع الصحيح للترمذي، كتاب أبواب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة الصبيان، رقم 1916.
[10] الجامع الصحيح للبخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، حديث رقم 6008. والمسند الصحيح لمسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة، حديث رقم 674.