رأيت على هامش المصحف مكتوب سكتة لطيفة فما المقصود بهذا وهل هناك سكتة غير لطيفة؟

يجيب عن السؤال الشيخ  أنس الموسى بن محمد بشير

السؤال

 رأيت على هامش المصحف مكتوب سكتة لطيفة فما المقصود بهذا وهل هناك سكتة غير لطيفة؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم
يوجد على هامش بعض المصاحف المكتوبة برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية جملة تشير إلى معنىً يتعلق بكيفية قراءة بعض كلمات القرآن، فيكتبون في الحاشية جملة: (سَكْتَة لطيفة)، ويضعون فوق الكلمة القرآنية المشار إليها بالسكتة اللطيفة حرف (س).
فمثلاً: في المصحف المطبوع بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف كتب في هامش المصحف في سورة الكهف – عند قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ ‌عِوَجًا﴾ [الكهف: 1] – جملة: (سكتة لطيفة على ألف عِوَجاً)، ورسم فوق ألف كلمة (عِوَجًا) حرف (س) إشارة ورمز لهذه السكتة.
وفي المصحف الذي طبعته مكتبة الدار الأثرية للطباعة والنشر والتوزيع كُتِبَ في الهامش جملة أكثر وضوحاً، فكُتب: قرأ سيدنا حفص حالَ وصل (عِوَجَاً) بـ: (قَيِّماً) بالسكت على الألف المبدلة من التنوين سكتة بحركتين يسيرة من غير تنفس.
ويعرِّف علماء التجويد السكت بأنه: قطع الصوت عن القراءة زمنًا يسيراً أقلَّ من زمن الوقف المعتاد من غير تنفس، بنية العودة إلى القراءة في الحال. ومقدار هذا الزمن عند حفص مقدار قليل لطيف كما قال الشاطبي رحمه الله: ‌
830 – ‌وَسَكْتَةُ ‌حَفْصٍ ‌دُونَ ‌قَطْعٍ ‌لَطِيفَةٌ … عَلَى أَلِفِ التَّنْوِينِ فِي عِوَجاً بَلَا
831 – وَفِي نُونِ مَنْ رَاق وَمَرْقَدِناَ وَلَا … مِ بَلْ رَانَ وَالْبَاقُونَ لَا سَكْتَ مُوصَلَا

قال أبو شامة المقدسي في شرحه للشاطبية نقلاً عن صاحب التيسير: قرأ حفص “عوجًا يسكت على الألف سكتةً لطيفةً من غير قطع ولا تنوين ثم يقول: “قَيِّمًا”، وقال مكي: كان حفص يقف على عوجاً وقفة خفيفة في وصله.
ثم قال أبو شامة: هذا معنى قوله: دون قطع؛ أي: دون قطع نفس؛ لأنه في وقفه واصلٌ وغرضه من ذلك إيضاح المعنى؛ لئلا يُتوهم أن قيما نعتُ “عوجا”، وإنما “قيما” حال من الكتاب المنزل أو منصوب بفعل مضمر؛ أي: جعله قيمًا….. وقال الأهوازي: ليس هو وقفا مختارًا؛ لأن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا معناه: أَنْزَلَ على عبده الكتاب قيمًا ولم يجعل له عوجًا”. (1)
إذاً فالمقصود بالسكتة اللطيفة أن نقف على الحرف الذي رُسم فوقه حرف (س) ونسكت زمناً قليلاً لكن دون أن نتنفس أثناء هذا السكت، ومعنى دون أن نتنفس: أي لا نتوقف عن القراءة فلو تنفسنا أثناء الوقف فلا يسمى سكتاً حتى لو كان الزمن قليلاً بل يسمى ذلك عند علماء القراءة (وقفاً).
‌‌السكتات القرآنية اللطيفة برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية أربعة هي:
1 – السكت على ألف (عِوَجًا): في قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ ‌عِوَجًا﴾ [الكهف: 1].
2 – السكت على ألف (مَرْقَدِنا): في قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا ‌مِنْ ‌مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: 52].
3 – السكت على نون (مَنْ راق): في قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ ‌مَنْ ‌رَاقٍ﴾ [القيامة: 27].
4 – السكت على لام (بلْ رَانَ): في قوله تعالى: ﴿كَلَّا ‌بَلْ ‌رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: 14].
ملحوظات تتعلق بالسكتات اللطيفة
  • يجوز للقارئ عند (عِوَجًا)، أن يختار بين السكت إن أراد وصل (عِوَجًا) بـ (قَيِّماً) في الآية التي بعدها، وبين الوقف على (عِوَجًا) إن رأى أن يقف، فكلاهما جائز ولا مانع من أحدهما لأن (عِوَجًا) رأس آية. وكذلك الحال في كلمة (مَرْقَدِنا)، وهي وإن لم تكن رأس آية لكن الوقف عليها تام.
    وفي السكتتين الأخيرتين في (بلْ رَانَ)، و(مَنْ رَاق) يمتنع الإدغام بين الحرف الذي تم السكت عليه وهو: لام (بَلْ) و نون (مَنْ) والحرف الذي يليه، ويلزم الإظهار، فلا يجوز أن نقرأ (برَّان) و (مَرَّاق). (2)
  • عندما نقول: سكتة لطيفة لا نعني ما يقابلها كالقبيحة مثلاً، بل المراد باللُّطف هنا: أن زمن هذه السكتة يسير بحيث يشعر السامع أن القارئ مستمر بالقراءة ولن يتوقف.
  • يجب التفريق عند علماء القراءة بين مصطلح: الوقف، والقطع، والسكت، فهي متغايرة الدلالات.
  • فالوقف هو: قطع الصوت عن الكلمة زمنًا يُتنفس فيه عادةً بنية استئناف القراءة إما بما يلي الحرف  الموقوف عليه (الكلمة)، أو بما قبله.
  • أما القطع فهو: قطع القراءة والانصراف عنها والانتهاء منها، والانشغال عنها بأمر خارج لا علاقة له بها (قَطْعُ النَّفَس).
تنبيهات تتعلق بالقطع
  1. ما ينبغي للقارئ أن ينصرف عن القراءة (قطع القراءة) حتى يُتِمَّ الآية؛ فلا يكون القطع إلاَّ على رؤوس الآي، لأن رؤوس الآي في نفسها مقاطع. قال ابن الجزري في النشر وأسنده إلى عبد الله بن أبي الهذيل: “إذا افتتح أحدكم آية يقرؤها فلا يقطعُها حتى يتمَّها”. (3)
  2. ولابد للقارئ بعد القطع إذا أراد العودة للقراءة من الإتيان بالاستعاذة لقول الله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ‌فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98] ثم البسملة إن كان العود من أول السورة، وإن كان في أثنائها فهو بالخيار بين الإتيان بالبسملة بعد التعوذ أو عدم الإتيان بها. (4)
  3. بعض المتقدمين لا يفرق بين القطع والوقف فيستعملونهما بمعنى واحد. (5)
وأخيراً: إن الأحكام السابقة التي ذكرناها حول السكتة اللطيفة اقتصرنا فيها على رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية فقط؛ لأنها المتعلقة بسؤال السائل؛ ولأن هذه الرواية هي الأكثر انتشاراً في العالم الإسلامي في وقتنا الحالي، لكن بقية القراء عند (مَنْ رَاق) و (بلْ رَانَ) أدغموا ولم يسكتوا فيهما السكتة اللطيفة، وكذلك عند (مِنْ مَرْقَدِنا)، و(عِوَجًا) لم يسكتوا عليهما أيضاً.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الشيخ  أنس الموسى بن محمد بشير


(1): ينظر:  حرز الأماني ووجه التهاني للشاطبي البيت (830) (831)؛ إبراز المعاني من حرز الأماني لأبي شامة المقدسي ص566؛ قواعد التجويد على رواية حفص عن عاصم ص105.
(2):ينظر: الميزان في أحكام تجويد القرآن فريال العبد ص196.
(3):ينظر: النشر في القراءات العشر لابن الجزري (1/239)؛ الموسوعة القرآنية المتخصصة مجموعة من الأساتذة (1/404).
(4):ينظر: قواعد التجويد على رواية حفص عن عاصم ص105؛ الموسوعة القرآنية المتخصصة لمجموعة من الأساتذة (1/404).
(5):قواعد التجويد على رواية حفص عن عاصم ص105.

الشيخ أنس الموسى

هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.