توجيه النبيه لمرضاة باريه (٣٥) سلسلة توجيهات وتنبيهات في تصحيح مسار الدعوة يبينها ويطرحها الحبيب عمر

توجيه النبيه لمرضاة باريه هو عبارة عن سلسلة من التوجيهات المهمة في مجال الدعوة يشرحها المربي الحبيب عمر.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

صور الأعمال وروحه

 

وقال رضي الله عنه ونفعنا به[1]: الله ربي وربكم أرسل حبيبه محمدًا، وكلَّفنا أن نخطب ونجتهد وننشر ونبلغ وندعو، وكل ما يكون من الإمامة، في دخول المحراب، والجلوس للتدريس، وإلقاء الكلمات، والتحضير للدروس، فهذا كله صور للخير بما فيه السفر، بما فيه اللقاء بالإخوان، بما فيه الكتابة، هذه صور الخير وأين روحها؟ رُوحها ليس إلا بروحك، فإن الروح لا يحل إلا في الروح، فالصورة هذه إذا كانت بروحها اتصلت روحك بتلك الروح، أي بروح الخير، فسَرَت السراية في أرواح مَن حواليك.
والروح التي فيك جمعيَّتُك على الله، وأدبُك معه، وصدقك وإخلاصك له، وذِلَّتك بين يديه، وتفانيك في محبته، وانطواؤك في أحبابه.
فهذه الأشياء رُوح، إذا حلت في روحك تكتسب منها الصور الخيرية، وتكتسب أيضًا منها روحًا فتخاطبها رُوحك، وإلا بقيت صورة تخاطب الصور «إن الله لا ينظر إلى صوركم»[2]، وأنها بلا نظرة غير موصلة فيما تصل إلى مكان، كما عمل أناس أعمالًا كثيرة، وصورًا كثيرة، ذهبوا وذهبت صورهم.
وكما اغترَّ الآن أناس بكثير من الصور الخيرية، فهم في هذه الصور، لو انكشف لهم الحجاب عن حقيقة ما هم فيه لَبَكوا على أنفسهم في صور الخير؛ لأن الحجاب فيهم، والقطيعة فيهم، والبعد فيهم، والحرمان فيهم، والبُعد عن الصالحين فيهم، وصور الخير عندهم، لا حول ولا قوة إلا بالله، هذه مشكلة أكبر، قال تعالى {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية: ٣] عَمِلت، ولكن جَنَت التعب، قامت بصور من الخير، يعني صلوات وزكوات ومحاضرات ودروسًا، والنتيجة نَصَب {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} [الغاشية: ٣-٥]، {ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} [الغاشية: ٨-٩] رَضِيت عن تلك الأعمال والسعي الذي قامت به؛ لأنه ما أثمر النصَب، بل أثمر مرافقة، وأثمر قُربة، وأثمر محبوبية، وأثمر نجاة، وأثمر تقريبًا، وأثمر تنعيمًا، وأثمر خلودًا في المجاورة {لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} [الغاشية: ١١]؛ لأنهم أعرضوا عن اللغو في الدنيا، فجاءوا إلى مكان ليس فيه لغو، الذين يحبُّون اللغو في الدنيا، لا بد أن يأتوا إلى مكان كله لغو، وكله عويل[3]، وكله بكاء، وكله فوضى، (فالجزاء من جنس العمل).

 

[1] يوم الأحد 2 من شهر شوال 1420 هـ.
[2] رواه مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكنْ ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”.
[3] أي: نحيب ونُواح.