توجيه النبيه لمرضاة باريه (٢٣) سلسلة توجيهات وتنبيهات في تصحيح مسار الدعوة يبينها ويطرحها الحبيب عمر

توجيه النبيه لمرضاة باريه هو عبارة عن سلسلة من التوجيهات المهمة في مجال الدعوة يشرحها المربي الحبيب عمر.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

استحثاث الهمم والعزائم

 

قال رضي الله عنه ونفعنا به[1]: ما أعظمَ هذا الربَّ! وما أعظمَ هذا الخالقَ! إذا أنتم اتصلتم به ففيكم الأمل لحمل الأحمال الكبيرة العزيزة، التي ورثها فينا وتركها لنا حبيبُه المصطفى، وحُفِظت بحمد لله، ومع حِفْظها في العصور الماضية برزت باديةً في عصرنا هذا لبروز مخفيَّات، وإنجاز موعودات، وتحقيق ما ذَكَره الله لحبيبه خير البريات صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
بعد ذلك كيف يرضى الواحد منكم أن يتخلَّف أو يتأخَّر أو يتقهقر، لو نعلم لكم شيئًا خيرًا وأحسن لقلنا لكم اذهبوا إليه، لكن هذا هو مولاكم، وأرباحكم هنا، وخيركم هنا، كيف ما تقطعون من أجله عَلائق الخلق وعَلائق الكون بما فيه؟
إذا كان الذين يدعون إلى الباري[2] يزهدون فيما يظهر لهم في عالم الروح وفي الملكوت الأعلى، ويقال لهم: لا تلتفتوا، واجعلوا قَصْدكم واحدًا هو الواحد، فكيف ونحن لا نزال نخاطب الأمة في عَلائق هذا العالم الأسفل، وفي علائق هذا العالم الأنزل، وفي علائق هذا العالم الأقل والأذل، ونقول لهم: اقطعوا علائقكم لا يؤخِّركم هذا الكون الأدنى، وهذا الكون الحقير، وهذا الكون القصير، وهذا الكون القليل.
أنتم ما عرفتم لِمَ تشوَّقت قلوب أهل الصدق بينكم؟ وإلى ماذا اشتاقت قلوب أهل المعرفة أمامكم، وقد مضوا قرونًا كثيرة، وقَرْنُنا يحتاج إلى ذَوْق من ذاك الذوق، وشوق من ذاك الشوق، به تُصفُّ الصفوفُ في نُصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم ونُصرة هذا الشرع.
وإذا جاءت هذه القلوب وهذه الأذواق، والله ما أهمَّتْنا مظاهر الكَفَرة، ولا مادياتهم، إنما أهمَّنا إعراضُ قلوب المؤمنين عن كنوزهم، أهمَّنا التولي وإيثار غير الله على الله، الذي ظهرت مظاهرُه في التعاملات والأخلاق والنظرات والأقوال والأفعال، وعُصِيَ اللهُ بالليل والنهار، وبالسر والجهر، في منازل المسلمين وبيوتهم وأسواقهم، وتجرَّءُوا إلى مواطنَ شريفة ومنازل عزيزة خالفوا الله فيها، وعصوا الله فيها، فيا منقذُ أنقِذْ.
هؤلاء تعبَّدَنا الله بالشفقة عليهم، وتعبَّدنا بالاهتمام بأمرهم، ولولا ذلك ما كان منَّا معنى للتذكير ولا للتبصير، ولا لإقامة هذه الأمور، ولكن وجدناها أمانة الله، والعهد الذي عاهدْنا المولى عليه تعالى في علاه، ومضى مَن مضى عليه من القوم الكرام فرد[3] بعد فرد، وقُطب[4] بعد قطب، وهُمام بعد همام، وَبَدل بعد بدل، وصالح بعد صالح، إلى مَن أدركناهم مِن مشايخنا، كلهم أدَّوْا حق الأمانة في البلاغ والإنذار، إذ تعبَّدهم بذلك الجبارُ القهار.
واليوم تُؤدَّى الأمانة إليكم لمن سينتهض ولمن سيعزم، أو سيُقبِل أو سيتصل أو سيرتقي أو سيَقرُب أو سيَفْهم أو سيدرك أو سيتهيَّأ لماذا؟ يتهيَّأ للقاء الجبار، ويتهيَّأ لأن يسمع منه أعذبَ الكلام ساعة الحمام، فيَحسُنُ له الختام، ويسمع مخاطبة الملك العلَّام {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: ٢٧-٣٠]
تلتفت رُوحُه من أين جاءت هذه البشارة؟ ومن أين وصل هذا الوصل؟ فيجد الحبيب يرحب بواصل من أمته، صَدَق في نُصرته، وصَدَق في اتِّبَاع سُنَّته، وصَدَق في رحمة أُمته، وصَدَق في المشي على سيرته، فيُحسِن استقباله ومقابلته، ويُزَجُّ به هناك إلى ما لا يوصف وما لا يُكيَّف، يا إخواني، أكلمكم بلسان صِدْق، أكلمكم عن لسان الصادق.
هذا المصير أمامكم، أما تعشقون هذه البشائر؟ وهذه المرافقة الكريمة؟ فلَئِن ضاع عليَّ رؤيةُ وجهه صلى الله عليه وسلم عند مماتي، فإلى أين أذهب؟ وما هو الحال لي؟ وما أفادني ما أُوتِيتُ في هذا العالم كله، ولو ملكتُ الدنيا مِن أقصاها إلى أقصاها؟!
يا أهل العقول، يا أهل الفُهُوم، يا أهل الإدراك للحقائق، يا أهل تصديق الخالق فيما أنزله علينا، وبلَّغه إلينا خيرُ الخلائق، تشكَّك الناسُ في هذا الخير فآثَروا الفاني، تشكَّكوا فيه، فوقعوا في شبكة الفتن لعدوهم، قلوبنا عليهم تبكي، وأَكُفُّنا ترتفع، ومعنا وعدٌ من الله يُظهِر في الأمة دخولًا في ميادين القرب أفواًجا، وتقويمًا لما اعوجَّ، وتعديلًا لما مال، وتحويلًا للأحوال إلى أحسنها، ونحن على يقين بما وعد، لكنَّا نحب للواحد منكم أن يَسبقَ، وأن يَصدُقَ فيعتلي ويرتقي.

 

[1] وذلك في يوم 30 من شهر محرم 1422 هـ.
[2] وهم صفوة الخلق من الأنبياء والأولياء والصديقين.
[3] الفرد: جمعه أفراد وهم رجال من الأولياء لا يدخلون تحت دائرة القطب.
[4] الغوث: هو فرد الجامع ويدعى عند القوم بالخليفة الكامل وينعت بصاحب الصديقية الكبرى والولاية العظمى، والقطبانية بمعنى السيادة وكذا يطلق اسم القطب مجازا على من له سيادة خاصة على أهل مقام أو حال.