توجيه النبيه لمرضاة باريه (١) سلسلة توجيهات وتنبيهات في تصحيح مسار الدعوة يبينها ويطرحها الحبيب عمر والبداية في بيان «عالمية رسالة الحبيب صلى الله عليه وسلم»

توجيه النبيه لمرضاة باريه: هو عبارة عن سلسلة من التوجيهات المهمة في مجال الدعوة يشرحها المربي الحبيب عمر، يبين في الدرس الأول منها عالمية رسالة النبي صلى الله عليه وسلم من خلال أقواله، وتفاعل المخلوقات مع تلك الرسالة، وبيان اتساع مكانته وقوة ما تحمل.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال رضي الله عنه ونفعنا به: جاء نبيُّنا الجامع عليه الصلاة والسلام الذي مِن جَمْعه … حمَلَ رسالةً استوعبت جميع المكلَّفين من الجن والإنس إلى يوم القيامة، على مختلف عقولهم وأفكارهم وأزمنتهم وأعصارهم وتقلُّب أطوارهم إلى يوم الدين.

ولقد صرَّح بهذه الخصوصية صاحبُ هذه المزية، وقال في أقواله الصحيحة المروية: «وكان الرسول يُبعَث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة». [1] وقال في اللفظ الآخر: “وبُعِثتُ إلى الخلق كافة». [2] صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

وفي ذلك إشارة عجيبة إلى اتساع مكانته وقوة ما تحمَّل، حتى يشترك في التشرُّف بالإيمان برسالته أصنافٌ من المخلوقات غير المكلَّفين وغير المخاطَبين كالحيوانات والنباتات والجمادات، ولقد شهدتْ بالرسالة لخير البريات صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، بل جاوزت مجرد التصديق والشهادة بأنه رسول الخالق إلى مستوى الشوق، ومعنى الرغبة في القرب منه وفي لقائه. والعجب أن حنين الجذع لم يكن من مكان مُنتزِح بعيد، بل إنما على فراق ملامسة الجسد الشريف الذي لم يبعد عنه إلا أذرعًا معدودة، وهو قريب منه على المنبر يسمع صوته الشريف، ويرى شخصه العظيم المنيف، ولكن مع ذلك ما حمل هذا الجذعُ من شعور أدى به إلى ألَّا يطيق أن يبعد عنه ولو أذرعًا معدودات، وأن يضجَّ ويحنَّ حتى يكاد أن ينشقَّ، فلا يسكت حتى يضمه إلى صدره حبيبُ الرحمن صلى الله عليه وسلم، ويُشبِّه الصحابة سكوته بالأم تضم ولدها إلى صدرها، فيسكت شيئًا فشيئًا حتى ينقطع بكاؤه، فكذلك لاحظوا الجِذع كيف يسكن أنينُه قليلًا قليلًا، الذي كاد أن ينشق بسببه، حتى هدأ الجذع وسكن وسكت.

تحدث جَدُّ الحسن وقال عن هذا المقام: «لو لم أضمَّه إليَّ لبقي يحِنُّ إلى يوم القيامة» [3] صلى الله عليه وسلم، فما سكنتْ لوعة الجذع إلا بضمِّ صدر سيدنا محمد، فسبحان الله! حتى الجمادات أحبته، حتى الجذوع حنَّت إليه، وأرادت اللقاء وما سكنت إلا بعد أن ضمها إلى صدره الشريف، فما أعظمَ مقامَه عند ربه جلَّ جلاله وتعالت عظمته. هذه المحبة تسرَّبت إلى الجمادات التي خلقها الله؛ لأنها علمت أنه ليس أكرم على الله منه صلى الله عليه آله وصحبه وسلم، ومن والاه واهتدى بهداه.

 

 [1] رواه البخاري ومسلم .
[2] رواه مسلم والترمذي عن أبي هريرة.
[3] قال صلى الله عليه وسلم: «لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة». رواه أحمد.