المقال الرابع من سلسلة كيفية إحياء سنة النبي في هذا العصر والتحديات التي تواجه عملية الإحياء للشيخ علي هاني: التحديات التي تواجه إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم

يقدم لنا فضيلة الشيخ رؤيته في أسباب ترك السنة النبوية، مع بيان أهميتها في التشريع الإسلامي وكذلك ضرورة استعادتها، كما يقدم لنا أطروحته في كيفية إحياء السنة النبوية الشريفة، ودور كل فرد من أفراد المجتمع في هذا الإحياء، إلى جانب أهم التحديات التي سيواجهها من أراد تطبيق هذه المنهجية.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هذا هو المحور الرابع من محاور موضوع: كيفية إحياء سنة النبي في هذا العصر والتحديات التي تواجه عملية الإحياء
تواجه عملية إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من التحديات، يمكن قسمتها إلى قسمين: 1 – تحديات داخلية  2 – تحديات خارجية.

1 – التحديات الداخلية:
إن التحديات التي تواجه إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تطل برأسها من نافذة البيت الإسلامي، وتدعي أنها تسعى إلى إصلاحه وتطويره كثيرة، وهي الأشد خطرا؛ لأنها تلبس لبوس الإسلام، وتزعم الحرص عليه، والدعوة إلى إصلاحه، ومن أهم هذه التحديات:

أ – غياب التعاون بين المسلمين:
إن أي دعوة أو عمل ناجح يحتاج إلى جهود كثيرين بمعارف متفرقة، وأفكار متنوعة، تقوم اعوجاجه، وتصوب خطأه، والمؤمن مأمور بالتعاون، فبقدر طاعته لله يتعاون، وبقدر حبه لنبيه يتعاون، وقد أكدت آيات القرآن الكريم على ذلك، قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}[المائدة: ۲]. وشبه النبي صلى الله عليه وسلم علاقة المسلم بأخيه المسلم بالبنيان، يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم [1].
وحث صلى الله عليه وسلم على التزام الجماعة، والعمل معها، فقال: (عليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) [2] أي: البعيدة عن قطيع الغنم.
ب – غياب التربية الإسلامية داخل البيت المسلم:
الأسرة أساس التربية، وفيها تتشكل شخصية الإنسان، وإن أهم ركنين فيها هما الأبوان، فعليهما تقع مسؤولية كبيرة في توجيه وإرشاد أبنائهما، ووضعهم على الطريق الصحيح الموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يستدعي معرفتهما بهذا المنهج، من هنا جاء الأمر الإلهي بوقاية الإنسان أهله من النار كما يقي نفسه، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}[البقرة: ۲٤]. ومن لطائف البيان الإلهي أن الله تعالى قال: {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} [طه: ١١٧]، فقد أفرد في موضع التثنية ، إشارة إلى أن شقاء الزوج شقاء لزوجته، وشقاء الزوجة شقاء لزوجها، وشقاء الأبناء شقاء للآباء، لذلك كان من أعظم نعم الله على عبده جعل أولاده قرة عين له، قال تعالى: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} [الفرقان: ٧٤] [3].
ج – الغلو في الدين: الغلو من أهم التحديات التي تواجه السنة النبوية في سعيها إلى العودة إلى قلوب المسلمين وعقولهم، وظهورها في حياتهم وسلوكهم، ومن جوانب تأثيره على ذلك ما يأتي:
من طبيعة الغلو أنه منفر للناس، وفي الغلاة من الحدة والغلظة وسوء الظن ما يجعل الناس يبتعدون عنهم، فيكونون سببا لتمزيق الأمة، وتفريق كلمتها، قال تعالى: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران: ١٥۳].
الغلو والشدة تدفع إلى أقوال وأفعال ومواقف ليست شرعية، يتوهم أصحابها أنها علامة على الصدق والتضحية في تطبيق الشريعة، وهذا يدفع الكثيرين إلى الابتعاد عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، باعتبار أن هذه السنة هي ما يمثله هؤلاء.
من هنا كان إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ بن جبل إطالة الصلاة، ما ألجأ بعض المصلين إلى الخروج من الصلاة فقال: (أفتان أنت يا معاذ…ثلاث مرار) [4].

2 – التحديات الخارجية:
من التحديات التي تواجهها السنة النبوية في طريق عودتها إلى حياة الناس التحديات الخارجة الوافدة الى المجتمع المسلم من مجتمعات أخرى، ومن أهم هذه التحديات:

أ – الثقافة الوافدة:
إن الإعلام الذي غزانا من شتى بقاع الأرض يؤكد نقيصتين خطيرتين: الإباحية والإلحاد، ليس نظريا فحسب، بل عمليا أيضا من خلال السلوك.
فعندما يشاهد المسلم والمسلمة مسلسلا يحكي قصة خيانة زوجية، قامت بها زوجة انتقاما من زوجها الذي خانها، أليس هذا توجيها خطيرا؟
وعندما يشاهد الطفل فيلما كرتونيا يحكي قصة بطل ينزل المطر، وينبت الزرع، فإن هذا توجيه خطير، والأمة مسؤولة عن إيجاد البديل للطفل الذي يتوافق مع منهج الإسلام، ويبعد أطفالنا عن خطر تبني الأفكار التي تلقى عليهم من خلال هذه الأفلام [5].
ب – حملات التشكيك والافتراء الموجهة إلى السنة النبوية:
منذ أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأقواله وأفعاله تتعرض لمحاولات التشويه والافتراء، ولم تتوقف هذه المحاولات إلى زماننا، لعلم أعداء الإسلام أن السنة هي الناقلة لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم تفصيلا، وأن بدونها لا يمكن تطبيق الإسلام؛ لأنها جاءت مفصلة مبينة لكثير مما أجمل في القرآن الكريم.
ومن مظاهر هذه الحملات الدعوة إلى فصل السنة عن القرآن الكريم، والتشكيك في مصادرها، والطعن في صحتها ورواتها [6].
ج – محاولة تطويع السنة للعقل:
ظهرت قديما بعض الأصوات التي تنادي بعرض السنة على العقل، وجعله حكما عليها، فما وافق العقل منها قبل، وما خالفه رد.
ويتمثل الخطر في هذه الدعوة في أنها تلقى رواجا في أوساط المثقفين، غير المطلعين على علوم الشريعة.
والحق أن هذه دعوة للفوضى، فأي عقل هذا الذي تعرض عليه السنة النبوية، والعقول تتفاوت في فهمها وقبولها لكثير من الأشياء، وفرق بين عدم إدراك الشيء واستحالته في العقل [7].
نسأل الله أن يعيننا على الالتزام بمنهج نبيه وسنته، ويجعلنا أداة لإحياء العمل بها، والدعوة إليها، إنه سميع مجيب. والحمد لله رب العالمين.

 

[1] صحيح البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب نصر المظلوم، (2446)، وصحيح مسلم، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، (2585).
[2] مستدرك الحاكم، من كتاب الإمامة وصلاة الجماعة، (765).
[3] انظر محاضرة للدكتور راتب النابلسي بعنوان: التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة، ص2.
[4] صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب من شكا إمامه إذا طول، (705)، وصحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، (465). وانظر مقال: (جناية الغلاة على تطبيق الشريعة)، الشيخ فهد بن صالح العجلان، منشور في موقع (على بصيرة).
[5] انظر محاضرة النابلسي السابقة ص9.
[6] انظر: السعدي، إسحاق بن عبد الله، السنة في مواجهة التحديات، ص6-7.
[7] انظر: المهدي، أيمن محمود، السنة في مواجهة التحديات المعاصرة، ص63.