المقال الثاني من سلسلة فقه الطهارة للشيخ عمر حجازي – مقدمة وتمهيد

يقدم فضيلة الشيخ عمر حجازي شرحاً مبسطاً للفقه الحنفي، مقارناً في بعض المواقف بين أحكام المذهب الأساسية وأحكام الفقه الشافعي، ويعد الشرح مدخلاً مناسباً للمبتدئين في قراءة ودراسة الفقه، ولمن أراد الوقوف على أساسيات الدين وأحكام الشريعة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة وتمهيد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فهذا هو المقال الثاني من المقالات المرتبطة بسلسلة فقه الطهارة، أستكمل فيه ما بدأته في المقال الأول من الحديث عن بعض المقدمات الممهدات التي لا بد من الوقوف عليها قبل البدء في الكلام على الأحكام الفقهية، وأتناول في هذا المقال الأمور الآتية:

غاية علم الفقه، فضله، ارتباطه بالعقيدة الإسلامية، القدر الواجب تعلمه منه.

وقد كنت تكلمت في المقال الأول عن نقطتين: تعريف الفقه لغة واصطلاحا، ومصادر الفقه الحنفي.

ج – غاية علم الفقه:

تتمثل غاية تعلم الفقه في أمرين:

1 – الفوز بدرجة الاصطفاء التي جعلها الله تعالى لمن ينفر في سبيل تعلم أحكام دينه، وتعليمها لغيره، قال الله تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [التوبة: ۱۲۲]، فيكون بذلك من الذين أراد الله بهم الخير، ففقههم في الدين. عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) [1] .

2 – تحقيق الالتزام بالفقه الإسلامي الذي هو التزام بالشريعة الإسلامية التي تحقق شخصية المسلم، وتميزه عن غيره؛ إذ الإسلام الحقيقي يتحقق بالطاعة والامتثال لكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل مع الإذعان والرضا [2] ، قال تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء} [الأعراف: ۳]، وقال سبحانه: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.

د – فضله:

الفقه من أفضل العلوم وأجلها، وأقربها إلى حاجة الناس؛ إذ إن الحاجة إلى أحكامه حاجة يومية متكررة؛ لأن أحكامه تتعلق بكل جزء[i] من أجزاء حياة الإنسان، خاصها وعامها، بدءا من ولادته إلى وفاته، لتمر بمرحلة بلوغه وتكليفه، وقد فسر الإمام مالك الحكمة في قوله تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: ۲٦٩]، بالفقه في الدين [3] .وقد قيل:

إذا ما اعتز ذو علم بعلم فعلم الفقه أولى باعتزاز
فكم طيبٍ يفوح ولا كمسك وكم طيرٍ يطير ولا كبازي [4]

ه – ارتباطه بالعقيدة الإسلامية:
للفقه بأحكامه الناظمة لأفعال المكلفين وأقوالهم ارتباط وثيق بالعقيدة الإسلامية بأركانها، ولا سيما الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر، فإن الإيمان بالله هو الذي يجعل المسلم متمسكا بأحكام الدين، منساقا لتطبيقها طوعا واختيارا، والذي لا يؤمن بالله تعالى لا يتقيد بصلاة ولا بصيام، ولا يراعي حلالا ولا حراما، ولذلك نرى الكثير من الآيات تؤكد على ارتباط التكاليف العملية بالعقيدة؛ إذ هي المحرك والدافع للالتزام بها، من ذلك:

1 – أمر الله تعالى بالطهارة، وجعل ذلك من لوازم الإيمان به سبحانه، فقال: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق …} [المائدة: ٦].

2 – ذكر الله تعالى الصلاة والزكاة، وقرن بينهما وبين الإيمان باليوم الآخر، فقال تعالى: {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون} [النمل: ۲] [5] .

و – القدر الواجب تعلمه من الفقه:
من فرائض الإسلام العينية التي يجب القيام بها على كل مكلف تعلم ما يحتاج إليه العبد في إقامة دينه، وإخلاص عمله لله تعالى، ومعاشرة عباده، وهذا يختلف باختلاف المكلف وحاجاته، وطبيعة عمله وعلاقاته.

ومن الأمور التي يشترك في افتراض تعلمها جميع المكلفين:
1 – أحكام الوضوء والصلاة والغسل. 2 – أحكام الصلاة والصوم.

ومن الأمور التي يجب على البعض تعلمها:
1 – أحكام الزكاة لمن له نصاب. 2 – أحكام البيوع للتجار، ولمن تعرض لشيء من ذلك.
فكل من اشتغل بشيء يفترض عليه تعلم الأحكام المتعلقة به. أما ما عدا ذلك فتعلمه فرض كفاية، يرتفع الإثم عن الأمة بقيام بعض أفرادها به [6] .

هذه هي أهم النقاط التي يجب الوقوف على معرفتها قبل الولوج في بحر علم الفقه، الذي نسأل الله تعالى أن يوفقنا لاقتناص كنوزه، وصيد فوائده وأسراره، إنه سميع مجيب.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

[1] أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، (71).
[2] د. مصطفى الخن وآخران، الفقه المنهجي /1/20/.
[3] انظر: الطبري: جامع البيان/3/87/.
[4] انظر: الحصكفي، الدر المختار/1/146 – 147/. والبازي: جنس من الصقور الصغيرة أو المتوسطة الحجم، تميل أجنحتها إلى القصر، وتميل أرجلها وأذنابها إلى الطول. ومن أنواعه الباشَق والبيدق. انظر: إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط/1/55/.
[5] انظر: د. مصطفى الخن وآخران، الفقه المنهجي /1/9/.
[6] انظر: الحصكفي، الدر المختار وحاشيته لابن عابدين /1/52/.