المقال الثالث من سلسلة كيفية إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العصر، والتحديات التي تواجه عملية الإحياء للشيخ عمر حجازي: العوامل المعينة على إحياء السنة النبوية والتمسك بها

يقدم لنا فضيلة الشيخ رؤيته في أسباب ترك السنة النبوية، مع بيان أهميتها في التشريع الإسلامي وكذلك ضرورة استعادتها، كما يقدم لنا أطروحته في كيفية إحياء السنة النبوية الشريفة، ودور كل فرد من أفراد المجتمع في هذا الإحياء، إلى جانب أهم التحديات التي سيواجهها من أراد تطبيق هذه المنهجية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ويتناول هذا المقال المحور الثالث في هذا الموضوع، وهو: العوامل المعينة على إحياء السنة النبوية، والتمسك بها
ويمكن أن نقسم العوامل التي تعين على إحياء السنة النبوية في سلوك المسلمين، وتدفع إلى التمسك بها إلى قسمين:
أولا، عوامل تتحقق في الداعي إلى تطبيق السنة والعمل بها. ثانيا، عوامل تتحقق في المادة المقدمة لمن يراد توجيه الدعوة إليه.

 

أولا: العوامل اللازم تحققها في الداعي إلى التمسك بالسنة والعمل بها
إن من أهم العوامل المساعدة على حسن تلقي المسلم لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم وعمله به هو تحلي الداعي والعالم بصفات المعلم الحكيم، واتباعه بعض الأساليب التعليمية والتربوية التي تدفع المتعلم إلى قبول قوله، والمبادرة إلى العمل به، ومن هذه الصفات ما يأتي:

1- العمل بما يدعو إليه: إن ما يتعلمه المسلم من شيخه وأبيه وأمه وأستاذه من فعله أكثر مما يتعلمه من قوله، فتراه يقول إذا سألته، لماذا تفعل كذا؟ إني رأيت أبي أمي … يفعلانه، لذلك كان هذا الأسلوب هو أبرز وأعظم أساليبه صلى الله عليه وسلم في التعليم، وهذا نموذج من ذلك:

روى مسلم [1] وأبو داود[2]، واللفظ لمسلم قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا، وفي يده عرجون ابن طاب [3]، فرأى في قبلة المسجد نخامة، فحكها بالعرجون، ثم أقبل علينا فقال، أيكم يحب أن يُعرض الله عنه؟ قال: فخشعنا، ثم قال: أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟ قلنا: لا، أينا يا رسول الله [4]. قال: فإن أحدكم إذا قام يصلي، فإن الله تبارك وتعالى قبل وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجلت له بادرة [5] فليقل بثوبه هكذا، ثم طوى ثوبه بعضه على بعض، ثم قال، أروني عبيرا، فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله، فجاء بخَلوق في راحته، فأخذه رسول الله صلى الله عليه ويلم، فجعله على رأس العرجون، ثم لطخ به على أثر النخامة).

فانظر كيف بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل بنفسه قبل أن يأمر به غيره، وانظر إلى إتقان العمل وإتمامه، حيث طلب النبي صلى الله عليه وسلم طيبا، فطيب به مكان النخامة.

2- الحكمة والموعظة الحسنة في نقل السنة وبيانها:
قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} [النحل:125].
إن من الأسباب الداعية إلى إحياء العمل بالسنة النبوية عند جموع المسلمين هو الاهتمام بطريقة عرض سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهجه، فيجب أن يكون الداعي حكيما في اختيار الأسلوب الذي يدعو به، منوعا بين الأساليب، بحسب حال من يدعوه، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلة ذلك: روى ابن ماجه [6] عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن فتيان حَزاورة [7]، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به إيمانا) [8]. وهذا تدرج في التعليم مراعاة لحال من يعلمه.

 

ثانيا: عوامل تتحقق في المادة المقدمة لمن يراد توجيه الدعوة إليه
من أهم عوامل نجاح الدعوة إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم حسن المحتوى الذي يقدم، وملاءمته لسن وفهم ومستوى من يقدم له، واشتماله على بعض العناصر التي تساعد على حسن تلقيه وقبوله، ومن هذه الأمور الآتي:

1– بيان فوائد بعض السنن النبوية:
إن مما فطر عليه الإنسان البحث عما ينفعه والتعلق به، والبعد عما يضره، وقد جاءت السنة النبوية مسايرة لهذه الفطرة، ساعية إلى تحقيقها من جميع الجوانب، نذكر منها الجانب الصحي، والجانب الاقتصادي.
أ – الجانب الصحي:
دعت السنة النبوية إلى الحفاظ على الصحة بمفهومها العام الشامل للصحة الجسدية والنفسية والروحية، وجعلتها من مقومات الدين وضروراته، ومما جاء في ذلك في الجوانب المذكورة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) [9].
وروى البخاري [10] عن أبي هريرة رضي الله عنه، (أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب. فردد مرارا، قال: لا تغضب).
وروى البخاري أيضا [11]عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين، ويقول: (إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة).
ب – الجانب الاقتصادي: سعى المنهج النبوي إلى الحفاظ على أموال الناس وحمايتها من الضياع، واستغلال مالكها، فحرم الإسلام الربا، لضرره العظيم بتماسك المجتمع المسلم، وحرم الغش، حماية لأموال الناس وحقوقهم، وغير ذلك من الإجراءات التي اتخذها الإسلام للحفاظ على مال المسلم وحمايته.

2-التركيز على المشترك، وترك محل الخلاف:
إن ما يجعل الشاب في حالة اضطراب هو كثرة الخلافات في بعض القضايا الإسلامية الأساسية، فيعرض عن هذا كله، ويتبع ما يظن أنه أثبت جدارته في أرض الواقع، وهو منهج الغرب وطريقة حياته، ودور الداعي هنا أن يوازن بين حكمة الداعي وحكم الفقيه، فيتخير من أحكام الفقهاء ما يخدم هدف جذب الشباب إلى سلوك منهج النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو أخذنا مثالا صلاة الجماعة، فإن من حكمة الداعي أن يبتعد عن الخلاف الفقهي في تحقق الجماعة بالواحد، وبأدائها في البيت، ويركز على الفوائد التي يحصلها المسلم من مجيئه إلى المسجد، من لقاء المسلمين، والتعرف عليهم، وتعلم ما لا يعلمه، إلى غير ذلك من الفوائد.
هذه من أهم العوامل التي تساعد في إحياء السنة النبوية، وبذلك ننهي الكلام عن هذا المحور، وبه ينتهي المقال الثالث.
والحمد لله رب العالمين.

 

[1] صحيح مسلم، باب حديث جابر الطويل، (3008).
[2] سنن أبي داود، باب في كراهية البزاق في المسجد، (485).
[3] رجل من أهل المدينة، ينسب إليه نوع من تمرها. والعرجون: العود الأصفر العريض الخالي من الرطب إذا يبس واعوج. أبو غدة، عبد الفتاح، الرسول المعلم، مع بعض تغيير واختصار، ص68.
[4] يعني لا أحد منا يحب ذلك يا رسول الله.
[5] أي غلبته بصقة أو نخامة بدرت منه.
[6] سنن ابن ماجه (باب في الإيمان)، (61).
[7] جمع (حَزْور)، وهو من قارب البلوغ. الرسول المعلم، ص77، ت (2).
[8] المصدر السابق، ص77.
[9] أخرجه البخاري، باب: لا عيش إلا عيش الآخرة، (6412).
[10] أخرجه البخاري، باب: الحذر من الغضب، (6116).
[11] (3371).