الآيات التي يذكر فيها مثلا غضب الله، أو النسيان (نسوا الله فنسيهم)، هل هي من المتشابهات؟ وكيف ينبغي توجيه فهمها للعامة؟

يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور باسم حسين عيتاني

السؤال

الآيات التي يذكر فيها مثلا غضب الله، أو النسيان (نسوا الله فنسيهم)، هل هي من المتشابهات؟ وكيف ينبغي توجيه فهمها للعامة؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم؛

أخي السائل ثبت الله قلبك على اليقين:

اتفق جميع المسلمين بأن الله تعالى منزه عن مشابهة غضب البشر الذي يتقلب معه الشعور، وتهيج منه النفس، ويغلي منه الدم، لأن هذا من مواصفات الحوادث وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. قال الله تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)  [ الشورى:11]

ومعنى غضب الله في قوله تعالى:  (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) [ الفاتحة:7] أو (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) [الفتح:6] وأمثالهما، أي: أحلّ عقوبته عليهم إما في الدنيا أو في الآخرة، أو أن الله يوصف بالغضب دون تكييف ولاتمثيل ولا تشبيه بالمخلوقات. [ ينظر: تفسير الطبري]

واتفق جميع المسلمين بأن الله لا يتصف بالنسيان ولا الغفلة ولا النوم، وهو منزه عن ذلك وعن كل ما هو نقص في حق الله تعالى، وقد ثبت في القرآن العظيم: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) [مريم:64]، وثبت: (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) [البقرة:256].

ومعنى ما ورد في القرآن الكريم: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة:67] أو (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ) [الحشر:19] أي: ولا تكونوا كالذين تركوا أداء حق الله الذي أوجبه عليهم فأنساهم أنفسهم يقول: فأنساهم الله حظوظ أنفسهم من الخيرات.  [تفسيرالطبري] فقابلهم الله تعالى بمثل عملهم، فنسبة النسيان إلى الله تعالى باعتبار المقابلة تركوا طاعة الله فتركهم لأنفسهم.

أما بالنسبة إلى غضب الله في الآيات الكريمات فهي تدخل ضمن الآيات المتشابهات، والآية المتشابهة هي التي التبس معناها على الناس، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) [آل عمران:7] أما الآية المحكمة أي الواضحة التي لا التباس فيها، وقد اتفق العلماء أن المتشابِه نرده إلى المحكم.

فمثل الآيات المتشابهات: (الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ) [طه:5]  (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) [الفتح:6] (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح:10] وغيرها التي فيها معاني مشابهة الخالق بالمخلوق، كلها ترد إلى النص المحكم مثل قوله تعالى: : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [ الشورى:11] لتنزيه الله تعالى عن المماثلة بخلقه، وهذا محل اتفاق عند العلماء.

وهنا طريقتان أمام الآيات المتشابهات:

1- الطريقة الأولى: طريقة السلف – رحمهم الله تعالى – فإنهم يؤمنون بالآيات المتشابهات كما وردت معتقدين أنها مصروفة عن ظاهرها، مع تفويض علم المراد منها إلى الله جلّ شأنه، مع كمال التنزيه لله عن مشابهة مخلوقاته بالحلول والحدوث وغيرهما.

فالاستواء استواء يليق بجلاله، لا يعلمه إلا هو، فالاستواء كما يقول لا كما يخطر في العقول، ويوصف بالغضب وأن له يداً كما ثبت، بإمرار الآيات المتشابهات دون تشبيه ولاتمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولاتفسير.

2- الطريقة الثانية: طريقة الخلف فإنهم يقولون بأن الآيات المتشابهات معروفة المعنى، فيؤولونها على أحد المعاني التي تصلح في النطق العربي مع الملاءمة لسياق النص، فيؤولون استوى بمعى استولى بالقهر والتصرف، والغضب بمعى إنزال العقوبة على الفاسقين أوالكافرين، واليد بمعنى القوة، أي قوة الله فوق أيديهم، وهكذا بقية الآيات المتشابهات على هذا المنوال.

أخي السائل حفظك الله تعالى:

يكفي للإنسان المؤمن أن يعتقد بالآيات والأحاديث المتشابهة بما ذكره السلف فإنها أسلم للقلب وأثبت للفؤاد، ولايدخل في الخوض فيها والجدل والنقاش كما هو أسلوب السلف – رحمهم الله تعالى -، ولايستخدم طريقة الخلف إلا عند لزوم ضرورة كرد شبهة أو عدم فهم مسألة خوف التشبيه، أو عند تشكك، وما شابه. والله أعلم بذلك.

ثبتنا الله وإياك على منهج السلف الصالح، إنه سميع عليم مجيب.

– تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري، تحقيق: عبد الله التركي، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط1، (1422 هـ – 2001م) 1/ 190 –  22/ 547

[الشيخ] الدكتور باسم عيتاني

الشيخ الدكتور باسم عيتاني هو الشيخ الدكتور باسم حسين عيتاني من مواليد بيروت – لبنان عام 1965    

حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 2005

من مشايخه: الشيخ محمد طه سكر والشيخ أديب الكلاس والشيخ ملا عبد العليم الزنكي والشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ عبد الرزاق الحلبي والشيخ د. مصطفى ديب البغا والشيخ د. وهبي الزحيلي ود. محمد الزحيلي وغيرهم رحمهم الله جميعا.

 لديه العديد من الخبرات والتخصصات العلمية و الإدارية، وقد شغل مناصب علمية وإدارية في العديد من الجهات والمؤسسات العلمية والثقافية والإسلامية الحكومية وغير الحكومية في لبنان وخارجه من ذلك

 SeekersGuidance – عضو في اللجنة العلمية في مؤسسة

 التعليم المفتوح عبر الإنترنت حتى الآن

عميد كلية الدعوة الجامعية للدراسات الإسلامية – الدراسات العليا عام 2021-2020

مدير دار إقرأ للعلوم الإسلامية 1998- 2018

مدرس للعديد من المواد و المناهج العلمية في الفقه و الأصول و العقيدة و التفسير .. ومناقش و مشرف على العديد من الرسائل

والاطاريح العلمية في الماجستير والدكتوراه في العديد من الجامعات و الكليات في لبنان له مؤلفات وأبحاث  في مجال العلوم الإسلامية

أقوال الإمام زفر المعتمدة في المذهب الحنفي – الاجتهاد الجماعي سمو فكري في القرن 21 – العرف وأثره في الفقه الإسلامي 

المشاركة في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية داخل لبنان وخارجه