أين يجد المؤمن سعادته؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

أين يجد المؤمن سعادته؟

الجواب

الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:

السعادةُ: هي ذلك الشُّعور الذي يَسعَى له الخَلْق كلُّهم، فمنهم مَن يصيبه، ومنهم مَن يُخطئه، ومنهم مَن هو بيْن بيْن،

والسعادة أمرٌ داخلي، لا يمكن لأحدٍ أن يراه، ولا أن يُمسِكَه، وهو لا يُباع ولا يُشترَى، وإنما هو هِبةٌ مِن الله يَهبُها لمَن يشاء مِن عباده، ومن فضْله أنَّه جعَل لذلك أسبابًا يجتهد الإنسانُ في تحصيلها، وأعظمُ هذه الأسباب: أنْ يقتنعَ الإنسانُ بأنَّه لا يمكن لأحدٍ من الخلق أن يُعطيَه السعادة، بل هي شعورٌ ذاتي، يُغذِّيه عملٌ خارجي.

والسعادة كلمة خفيفة على اللسان، حبيبة إلى قلب كل إنسان، وهي شعور داخلي يحسه الإنسان بين جوانبه يتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير، وما من إنسان إلا وهو يسعى إلى تحقيقها في حياته،

فأكثر الناس يظن أن السعادة في المال والثراء، ومنهم من يتصور أن السعادة في أن يكون له بيت فاخر وسيارة فارهة، ومنهم من يعتقد أن السعادة في كثرة الأولاد والأحفاد، أو تكون له وجاهة في المجتمع، أو يتبوأ أعلى المناصب، ويظنها البعض الآخر في أن يتزوج امرأة ذات مال وجمال ودلال.. وللناس فيما يعشقون مذاهب،

يا متعب الجسم كم تســـعى لخدمته : : : أتعبت جسمك فيما فيه خسران

أقبل على الروح واستكمل فضائلها : : : فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

إن هذه المتع متع دنيوية زائلة من عاش لأجلها والتكثر منها ولم يبتغ غيرها لم يذق طعم السعادة الحقيقية وليس له في الآخرة من حظ ولا نصيب،

فالسعادة ليست في مال يجمعه الإنسان وإلا لسعد قارون، وليست في طلب الوزارة والمنصب ولو كانت كذلك لسعد هامان وزير فرعون، وليست في متعة دنيوية ما تلبث أن تنقضي بل السعادة الحقيقية في طاعة الله، والبعد عن معصيته التي هي سبب في الفوز الأبدي «فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز» [سورة آل عمران : 185]

وذلك بأن يسير الإنسان في هذه الدار على الصراط المستقيم، وأن يتبع الرسول الكريم، وأن يتقي الله ويراقبه في السر والعلانية، والغيب والشهادة، فبذلك يفوز الإنسان ويسعد..

ولست أرى السعادة جمع مال : : : ولكن التقي هو السعيد

إن القليل من الناس هم الذين عرفوا حقيقة السعادة فعملوا من أجلها وجعلوا مقامهم في الدنيا معبراً للآخرة ولم تلههم الدنيا وزينتها عن الآخرة «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُون» [هود:15- 16] وقال تعالى:«مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا» [الإسراء :18-19]

وقال تعالى: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ»[الشورى : 20]

إن من أراد أن يحقق السعادة في حياته فليلتزم بالأسباب التي من قام بها حصلت له السعادة والحياة الطيبة في دنياه وأخراه ومن أهمها ما يلي:‏

‎1- الإيمان والعمل الصالح:‏

‎‎ قال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون َ» [سورة النحل: 97].‏

وقال أيضا «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى »[سورة طه: 123]

‎‎ فالحياة الطيبة تكون لأهل الإيمان والعمل الصالح وأما غيرهم حتى وإن تمتعوا بالملذات المحسوسة فإنهم في ضيق ونكد؛ لأن مدار السعادة على القلب وراحته وصدق من قال:

‎‎ لبيت تخفق الْأَرْوَاح فِيهِ … أحب إليّ من قصر منيف

وَلبس عباءة وتقر عَيْني … أحب إليّ من لبس الشفوف

بل إن المؤمن الذي يرجو ما عند الله حتى وإن ضيق عليه في الدنيا وامتحن فيها فإنه بإيمانه وعمله الصالح يشعر بسعادة غامرة،

‎2- الإحسان إلى الخلق بالقول والعمل وأنواع المعروف :

فإن الله يدفع به الهموم والغموم عن العبد، ويعاملك الله وفق معاملتك لعباده قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه»([1])

قـال تـعـالى: « لا خَـيْرَ فِي كَثِيرٍ مـِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا » [سورة النساء: 114].‏

‎3- الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة مما تأنس به النفس وتشتاقه،

فإن ذلك يلهي القلب عن اشتغاله بالقلق الناشئ عن توتر الأعصاب، وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه وازداد نشاطه.‏

‎4- اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وترك الخوف من المستقبل أو الحزن على الماضي،

فيصلح يومه ووقته الحاضر، ويجد ويجتهد في ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»([2])

5- الإكثار من ذكر الله، فإن ذلك من أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينة

القلب، وزوال همه وغمه، قال تعالى: « أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » [سورة الرعد: 28].‏

‎6- أن ينظر الإنسان إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من هو أعلى منه في الرزق والصحة وغيرها

وقد ورد في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ »([3])‏

‎‎فبهذه النظرة يرى أنه يفوق كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه، فيزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله.‏

7- السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم، وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور،

وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، فيجاهد قلبه عن التفكير فيها.‏

‎8- تقوية القلب وعدم التفاته للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة؛

لأن الإنسان متى استسلم للخيالات وانفعل قلبه للمؤثرات من الخوف والأمراض وغيرها، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية والانهيار العصبي.‏

‎9- الاعتماد والتوكل على الله والوثوق به والطمع في فضله،

فإن ذلك يدفع الهموم والغموم، ويحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور الشيء الكثير.‏

‎10- أنه إذا أصابه مكروه أو خاف منه فليقارن بينه وبين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية،

فإنه سيظهر له كثرة ما هو فيه من النعم وتستريح نفسه وتطمئن لذلك.

11- الرضا بالقضاء والقدر:

لِمَا يورثه ذلك من طُمأنينة وراحة بالٍ، حيث يوقِن الإنسانُ بأنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئَه، وأنَّ ما أخطأه لم يكن ليصيبَه،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : «يَا غُلَامُ ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ ، تَعَرَّفْ بِاللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَلَائِقَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُعْطُوكَ شَيْئًا لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُعْطِيَكَ ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ ، أَوْ يَصْرِفُوا عَنْكَ شَيْئًا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُصِيبَكَ بِهِ ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ ، فَإِذَا سَأَلْتَ فَسَلِ اللهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَلَمَ قَدْ جَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ »([4]) .

وهذا الرِّضا هو أعظمُ علاج يمكن أن يُعالِج الإنسانُ به نفسَه؛ ليحصلَ على السعادة؛ لأنَّه يمثِّل القاسمَ المشترك بيْن السعداء، حيث يرضَوْن بما هم فيه، ويستمتعون به كما هو، دون تفكيرٍ في غيره،

12- السلام:

وهو اسمٌ على مسمًّى، وهو دُعاء لأخيك ولِمَن تُسلِّم عليه بالسَّلامة، وهو سبيلٌ إلى السعادة؛ لِمَا يُحدِثه في المجتمع، حيث يأمنُ الناسُ بعضُهم بعضًا؛ فلا يفعله إلا مؤمِن قدِ استحكم الإيمانُ في قلبه؛ عملاً بهَديِ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – حين أمرَنا بالسلام فيما رواه أَبِو هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» . ([5])

13- صُنْع المعروف وممارسة الأعمال التطوعيَّة:

جاء في الحديث عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ »([6])

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُسْلِمِ» . ([7]).

فلا يحقر الإنسانُ شيئًا من المعروف والخير، فيُساعد المحتاج، ويُغيث الملهوف، ويَعود المريض، ويُرشِد السائل، ويسمع الأصمَّ، ويَتصدَّق على المحتاج، ويَبذل كلَّ معروف يستطيعه.

14- صِلة الرحم:

لا شكَّ أنَّ صلة الرَّحِم من أعظم المعروف الذي ذكرْناه في السبب السابق، ولكنَّها تَزيد عليه في أنها واجبةٌ، وهي سببٌ في الغِنى وطول العمر؛ كما قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: “مَن أحبَّ أن يُبسَط له في رِزْقه، وأن يُنسأَ له في أثَره، فلْيَصلْ رَحِمَه»([8])

ولا شكَّ أنَّ بسْطَ الرزق مِن أعظم الأشياء التي يسْعَى لها الإنسان، بل لو قلنا: إنَّ أعظم أسباب التعاسة في أيامنا هذه هو الخوفُ مِن الحاجة والفقر، لكنَّا محقِّين، فهلاَّ وصلتَ رَحِمَك، وقمتَ بحقهم؛ حتى تدخلَ السرور عليهم، وتسعد نفسك،

ثم إنَّ صِلة الرحِم تؤدِّي بالواصل إلى أمور أخرى من أسباب السعادة، مثل: الابتسام وقضاء الحاجات، وإفشاء السلام والأمر بالمعروف، ونشْر العِلم، وغير ذلك من أمورٍ لا تحصل إلا بالاجتماعِ مع الأقارب والأرْحام.

15- المحافظة على صلاة الجماعة، وبخاصَّة صلاة الفَجْر في وقتها مع الجماعة:

عن جُنْدُب بْن عَبْدِ اللهِ قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ ، فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» ([9]) فما ظنُّك بإنسان في حمايةِ الله ورعايته؟!

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ»([10])، ولا شكَّ أنَّ من قام لصلاة الفجر ممَّن أهمتْه آخرتُه، وسعى لها،

16-المداومة على ذِكْر الله:

وخاصَّة أذْكار الخروج من المنزل؛ لأنَّ أكثر أسباب الهمِّ والقلق والضِّيق مِن الشيطان، فإذا بدأ الإنسانُ يومَه بذِكْر الله، وكان أوَّل ما يقوله عند خروجه مِن البيت كما جاء عن كعب الأحبار  : إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ : «بِسْمِ اللهِ ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ  تَلَقَّتِ الشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالُوا : هَذَا عَبْدٌ قَدْ هُدِيَ ، وَحُفِظَ ، وَكُفِيَ ، فَلَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ ، فَيَتَصَدَّعُونَ عَنْهُ» ([11])

وذِكْر الله عزَّ وجلَّ دواءٌ للقلوب؛ قال تعالى: «أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»[الرعد: 28]، وأعظم ذلك القرآن، فهو شِفاءٌ لِمَا في الصُّدور، وهو رحمةٌ للمؤمنين، وشفاء لأمراضهم النفسيَّة والبدنية، إذا كانوا ممَّن آمَن به واتَّبعه، وأنت واجدٌ أنَّ أكثر المصابين بالأمراض النفسية ممَّن لا يرفع بالقرآن رأسًا، وأقل الناس ضيقًا ومرضًا نفسيًّا هم العلماءُ الربَّانيُّون، وحَمَلة القرآن.

17- الاستغفار:

وذلك أنَّ كثرة الاستغفار تحطُّ الخطايا، التي هي أكبرُ أسباب الشَّقاء وضِيق الصَّدر.

18- حضور حِلَق الذِّكْر، ومجالِس العلم وتدارس القرآن:

حيث تتنزَّل على أصحابها الملائكةُ، وتغشاهم رحمة الله، وتُغفَر ذنوبهم، ويذكُرهم الجليل – تبارك وتعالى – فيمَن عنده، وتدعو لهم الكائناتُ مع الملائكة رِضًا بما يصنعون مِن طلبٍ للعِلم، ومشْي في سبيله.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»([12]) .

19- النُّصح للمسلمين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في لِين ورِفْق وتُؤدَة:

وذلك أنَّ المنكَرات تؤثِّر على نفس مَن يراها، فيضيق صدرُه إذا لم يُنكرْها، وذلك مِن شؤم المعاصي، وأقل مراتِب الإنكار بالقَلْب.

20- النظر في أحوال الناس مِن حولك:

لتعرفَ أنَّ هناك مَن هو أشدُّ بلاءً منك، فتسكن عند ذلك نفسُك، ويذهب عنك الضِّيق، وتتجه للاستفادةِ ممَّا آتاك الله، وتشكره إذْ عافاك مما كتبَه عليهم.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني وإياكم للعمل بهذه الأسباب لنحيا حياة طيبة في الدنيا ونفوز بجنة ربنا في الأخرى

وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

([1]) الوابل الصيّب من الكلم الطيّب،  لابن القيم، ص 35.
([2]) مسلم (2664)
([3]) مسلم (2963)
([4]) الحاكم (6359) والترمذي (2516) وأحمد (2713) وأبو يعلى (2556) والطبراني (11416)
([5]) مسلم (54) وابن حبان (236) وأبو داود (5193) والترمذي (1854) وأحمد (9207)
([6]) الترمذي (1833)
([7]) الطبراني (11079)
([8]) البخاري (2067) ومسلم (2557)
([9]) مسلم (657)
([10]) الترمذي (2465)
([11]) عبد الرزاق (19827) وابن أبي شيبة (29813)
([12]) مسلم (2700) وأبو داود (1455) والترمذي (3378)

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965 

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها 

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان. 

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، 

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول 

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

 والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.