أعلم أن أسماء الله الحسنى تهدف إلى إلهام الأمل والخوف بشكل متوازن، ولكنني أجد صعوبة في الاتصال بها شخصيًا. كيف يمكنني استخدام أسمائه الحسنى في حياتي اليومية لتحقيق هذا التوازن؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

أعلم أن أسماء الله الحسنى تهدف إلى إلهام الأمل والخوف بشكل متوازن، ولكنني أجد صعوبة في الاتصال بها شخصيًا. كيف يمكنني استخدام أسمائه الحسنى في حياتي اليومية لتحقيق هذا التوازن؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

ندبنا الشرع إلى التعرف على أسماء الله الحسنى و إحصائها و حفظها و التوسل و الدعاء بها فقال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف 180]
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: “إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ“. متفق عليه (1)

و هذه الأسماء الحسنى لله تعالى ، يدل بعضها على اتصافه سبحانه بصفات الجمال كالرؤوف والرحيم و الكريم و التواب و الغفار ، و هذه تدل على مقام الرجاء
و بعضها يدل على صفات الجلال كالجبار و القهار و المنتقم ، وهذه تدل على مقام الخوف

و لذلك ينبغي على العبد أن يحقق التوازن بين مقامي الخوف و الرجاء في علاقته مع الله تعالى و في دعائه و التوسل به سبحانه كما قال : ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف 56]

و قال أيضاً في وصف عباده المؤمنين : ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة 16]

-وعن أَبي هريرة – رضي الله عنه: أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤمِنُ مَا عِنْدَ الله مِنَ العُقُوبَةِ، مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ مَا عِنْدَ الله مِنَ الرَّحْمَةِ، مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أحَدٌ». رواه مسلم. (2)

– وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم: «الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ (١)، وَالنَّارُ مِثلُ ذلِكَ». رواه البخاري. (3)

– ويقول الإمام النووي في كتابه رياض الصالحين : ( اعْلَمْ أَنَّ المُخْتَارَ لِلْعَبْدِ في حَالِ صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ خَائفًا رَاجِيًا، وَيَكُونَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ سَواءً، وفي حَالِ المَرَضِ يُمحَّضُ الرَّجاءُ، وقواعِدُ الشَّرْع مِنْ نصُوصِ الكِتَابِ والسُّنَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ مُتظاهِرَةٌ عَلَى ذلك.

قَالَ الله تَعَالَى: ﴿فَلَا يَأمَنُ مَكْرَ الله إِلَاّ القَوْمُ الخَاسِرونَ﴾[الأعراف: ٩٩]، وقال تَعَالَى:﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَاّ القَوْمُ الكافِرُونَ﴾ [يوسف: ٨٧]، وقال تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: ١٠٦]،  وقال تَعَالَى: ﴿إنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ [الانفطار: ١٣ – ١٤]، وقال تَعَالَى: ﴿فَأمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ [القارعة: ٦ – ٩] والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ. فَيَجْتَمعُ الخَوفُ والرجاءُ في آيَتَيْنِ مُقْتَرِنَتَيْنِ أَو آيات أَو آية.) (4)

وبناء على ما سبق: 

فلتحقيق هذا التوازن لابد من مراعاة جملة من الأمور و منها:

– التعرف على أسماء الله الحسنى و فهم معانيها و استخدامها في التوسل و الدعاء على حسب الحال و الحاجة
– و كذلك التعرف على حالات تغليب الخوف على الرجاء أو العكس
فمثلاً : في حالة المرض يُغلِّبُ حالةَ الرجاء بالله تعالى على حالة الخوف منه. كما ذكر الإمام النووي أعلاه
و في حالة المعصية و اشتداد حدة النفس و شهوتها -مثلاً- يُغلِّب مقام الخوف من الله تعالى على حالة الرجاء ، و هكذا .. و الله أعلم

و على هذا، فأدعوك أيها الأخ السائل الكريم إلى المواظبة دائماً على الدعاء بأسماء الله جميعها -على حسب الحالات والتفصيل الذي ذكرناه أعلاه- و يمكن كذلك الدعاء بأسماء مخصوصة و تكرارها بعدد معين كما ذكر بعض العلماء(5)، لما فيها من أسرار و بركات ، ومنها هذه الأذكار : (يا أرحم الراحمين)، و (يا حي ياقيوم برحمتك أستغيث)، و (يا سميع يابصير) و تكرارها على الأقل مئة مرة في اليوم لإجابة الدعاء و غير ذلك، و الله أعلم.

الهوامش:
1- صحيح البخاري : (2736)، و صحيح مسلم : (2677)
2- صحيح مسلم : (2755) .
3- صحيح البخاري: (6488)
4- رياض الصالحين للنووي: صفحة (157)
5- كتاب العطية الهنية و الوصية المرضية، للحبيب علي بن حسن بن عبد الله العطاس رحمه الله، صفحة (25)

الشيخ عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

 عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ