هل يوجد شيء في الإسلام اسمه توأم الروح؟

يجيب عن السؤال الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب

السؤال

هل يوجد شيء في الإسلام اسمه توأم الروح؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

      للجواب على هذا السؤال يلزم أن نتعرف على مغزى السؤال، والذي يظهر لي أن مصطلح (توأم الروح) يحتمل معنيين: معنى فلسفياً عقدياً، ومعنى أدبياً إنشائياً.

1. أما المعنى الفلسفي العقدي:

فإن باحثين في مجال العقيدة والفلسفة، يرجعون ظهور هذا المصطلح إلى الثقافة اليونانية الوثنية، وينسبون إلى أفلاطون قوله: “إن البشر كان لديهم يوماً ما أربع أذرع وأربع أرجل ووجهان. وأوضح أن الإله زيوس قسمنا إلى نصفين كعقاب على تكبرنا، وكان مقدّراً لنا أن نسير على الأرض بحثاً عن النصف الآخر”.

وتقوم تلك الفكرة على أن الإنسان يجب عليه أن يبحث عن نصفه الذي يكمل احتياجه الغريزي، وهو ما يسميه الآخرون: شريك الحياة. فأصل الفكرة نابع من البحث عن الغريزة الجنسية، وليس عن ارتقاء روحي أو سمو عقلي أو فكري.

      فمدار التوأمة عند الفلاسفة الوثنيين هو الاقتران الجنسي. وهو ما تبلور في بعض التقاليد الهندوسية أيضاً، حيث تؤمن بعض التقاليد الهندوسية بفكرة أن الناس لديهم علاقة مع أرواح معينة؛ وفي اللغة اليديشية، هناك مصطلح لشريك الزواج المثالي أو المحدد مسبقا يسمى “بشيرت”.

      ويقول الكاتب كاتي بيشوب: “على الرغم من أن مفهوم “توأم الروح” ربما كان موجوداً منذ آلاف السنين، فمن المحتمل أن المصطلح الفعلي لم يظهر إلا في القرن التاسع عشر، إذ استُخدم لأول مرة في عام 1822، في رسالة كتبها الشاعر صامويل تايلور كوليردج، قال فيها “لتكون سعيدا في الحياة الزوجية، يجب أن يكون لديك رفيق روح”.

      الذين كتبوا عن نظرية (توأم الروح) من الناحية الفلسفية، ذهبوا إلى أن من تعلق بها فإن حياته الزوجية المستقرة سوف تتعرض للخطر، لأنها تصيب العلاقة الزوجية بالهشاشة ثم الانفصال.
تقول روث ميكاليف، وهي مستشارة بالجمعية البريطانية للإرشاد والعلاج النفسي وتعمل مع العديد من المرضى الذين يعانون من مشاكل في العلاقات: “توقع أن يكون هناك شيء مثالي بشكل فوري ودائم لا يؤدي إلا إلى خيبة أمل واستياء، لأن هذا ببساطة غير واقعي”.

      وبالبحث نجد أيضاً أن فكرة (توأم الروح) لها حضور في الثقافة النصرانية، يقول إنجيل مرقس 10: 7-9 “مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. إِذاً لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللَّهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ.” يصبح الرجل وزوجته “متحدين”، “جسد واحد”، “ليسا بعد إثنين، بل واحد”، “مرتبطين معاً”، أي: توأم روح.

      ولكن بعض المثقفين لا يرون أن هذه الفكرة تعد أمراً كتابياً، وتقول بعض الأبحاث في هذا الصدد: “إن الفكرة الشائعة حول “توأم الروح” هي أنه لكل شخص يوجد شخص آخر “مناسب تماماً” له، وإذا تزوجت أي شخص سوى توأم الروح هذا، لن تكون سعيداً أبداً.

هل مفهوم توأم الروح هذا أمر كتابي؟ كلا. إن مفهوم توأم الروح يستخدم أحياناً كعذر للحصول على الطلاق. إذ يدعي الأشخاص غير السعداء في علاقاتهم الزوجية أنهم لم يتزوجوا توأم أرواحهم ولهذا يجب أن يحصلوا على الطلاق حتى يبحثوا عن توأم الروح الحقيقي بالنسبة لهم. هذا ليس أكثر من مجرد عذر غير كتابي. فإذا كنت متزوجاً، فإن شريك حياتك هو توأم روحك”

      وبعد الاستماع إلى أحد الباحثين في مجال التنمية البشرية، وهو د. محمد حبيب الفندي، وهو حامل دكتوراه في العلوم الإنسانية مدرب وباحث في التنمية وتطوير الشخصية ومستشار أسري، أفاد أن أصل فكرة توأم الروح وتوأم الشعلة مخالف تماماً للأديان السماوية، لأنها تنتهي إلى نشر الفساد في الأرض، واتباع خطوات الشيطان في الوقوع في حمأة الرذيلة. وأفاد: أن الفرق بين التوأمين، أن توأم الروح يتعدد، بخلاف توأم الشعلة فهو واحد. كما أفاد أن رأيه في هذه الثقافة الغريبة أنها من الثقافات التي تمهد للدجال. وهذا رابط كلامه على اليوتيوب. وهذا رابط آخر أيضاً:

 

2. المعنى الأدبي الإنشائي:

      اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، عظيمة وواسعة جداً، وإذا رجعنا إلى المعاجم اللغوية نجد كلمة (التوأم) ذات دلالات كثيرة، أقربها إلى الذهن: المولود وقرينه الذي يولد معه ذكراً أو أنثى. ثم تطلق مجازاً على ما يشابهها. وقديما قالت العرب في أمثالها: ( العادة توأم الطبيعة)[ مجمع الأمثال (2/ 55)]. وقالوا: (الشيب توأم الموت)[ البيان والتبيين (ص: 378)]

وقال ابن الرومي:

      وما الحقد إلا توأم الشكر في الفتى… وبعض السجايا ينتسبن إلى بعض والعربية واسعة، وتحتمل ألفاظها معاني كثيرة، تدخل عليها من أبواب البلاغة والتشبيه والكناية والمجاز، وغير ذلك من ضروب كلام العرب.

الخلاصة، وبعد كل ما سبق:

      ففكرة توأم الروح، باصطلاحها الفلسفي فكرة خطيرة، ليست من الإسلام في شيء، بل هي فكرة شيطانية تخالف تعليم الديانات السماوية التي تدعو إلى الطهر والعفاف لأنها تضاد الطهر والعفاف والحشمة، كما تقدم بيانه.

      أما أن يعبر أحدنا عن حبه لزوجته مثلا، أو ابنه أو بنته، أو لصديق حميم، بأنه توأم روحه، من باب المجاز، والمبالغة في التعبير، فهذا أمر لا بأس به.

هذا، والله أعلم.

 

تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب، وراجعها الشيخ د. محمد فايز عوض.

د. محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية (AMU). تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…
يشرف على القسم العربي سيكرز عربية للعلوم الشرعية (seekersguidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول.