هل يخل المسلم بمقام الإحسان إذا اضطر لدخول أماكن الفساد؟
يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى
السؤال
هل يخل المسلم بمقام الإحسان إذا كان مضطراً لدخول أماكن العصاة والفساد الظاهر؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مقام الإحسان وأهميته
الإحسان أعلى أركان الدين ومراتبه، ودخول المتحققين بهذا المقام إلى أماكن العصاة للضرورة، لا يقدح في هذا المقام بمشيئة الله عز وجل.
الأصل في دخول أماكن العصاة
الأصل أن على المسلم أن يبتعد عن الأماكن التي يُعصى الله تعالى فيها، أو يتواجد فيها العصاة؛ فهي مظنة نزول سخط الله وعقوبته، وغشيان هذه الأماكن دون ضرورة لا يؤثر على مقام الإحسان باعتباره أعلى أركان الدين ومراتبه فحسب، بل قد يؤثر في الإيمان أيضاً، لهذا وصف ربنا سبحانه وتعالى عباده فقال:﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: 72] وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”لَا تَصْحَبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ.“ [مسند أحمد (11337)]
لكن إذا اضطر المسلم للدخول إلى أماكن العصاة والفساد الظاهر، لأسباب مختلفة، فإن ذلك لا يؤثر في مقام الإحسان الذي هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك،
لقول الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286] ولقوله أيضاً: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 173] ولقوله أيضاً: ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 145] ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ”إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا تُوَسْوِسُ بِهِ صُدُورُهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَتَكَلَّمْ بِهِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ.“ [سنن ابن ماجه (2044)]
أخيراً: على الأخ السائل مراعاة بعض الأمور
أن يستعين بالله تعالى ويسأله الثبات والحماية من الفتن الموجودة في هذه الأماكن، وليجتنب قدر الاستطاعة المشاركة في أي مخالفة منها، وليتذكر قول سيدنا يوسف عليه السلام حين قال: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف: 33] وعليه أن يتأكد من تحقق الضرورة التي تسمح له بغشيان هذه الأماكن، بسؤال أهل العلم، ولتكن نيته عند الدخول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحاله ومقاله ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
والله تعالى اعلم
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الشيخ أنس الموسى
هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م
تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.
قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.
حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة، على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.
درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.
إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.
مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.
حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.
أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.