هل يجوز الاستماع لتسجيلات مصورة للقرآن الكريم التي وضع رافعها عليها إعلانات؟
يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى
السؤال
هل يجوز الاستماع لتسجيلات مصورة للقرآن الكريم التي وضع رافعها عليها إعلانات؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إن الإعلانات الترويجية للسلع قد دخلت كلَّ ميادين الحياة، وبشتى مفاصلها؛ فكل محاضرة مسموعة أو مرئية – مهما كان محتواها – لا بد أن يتخللها فاصل إعلامي أو أكثر، بل إن كثيراً ممن يصمِّمُون البرامج الإسلامية المفيدة يأخذون أرباحهم من خلال هذه الإعلانات الترويجية للسلع التي تظهر أثناء الاستفادة من هذه البرامج. ومن ضمن هذه البرامج الإسلامية – التي شاب صفاءها والاستمتاع بها دون تشويش – بعض برامج القرآن الكريم التي تُرفع على اليوتيوب وغيره.
وأرى أن حكم وضع هذه الإعلانات لتظهر أثناء الاستماع للقرآن، هو خلاف الأولى؛ لما فيه من تفويت الاستماع والإنصات لتلاوة القرآن الذي نص عليه بيان الله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204] وبشرط أن تكون تلك الإعلانات لا تتضمن التسويق لمحرم، أو تتضمن لقطات محرمة لرجال ونساء عراة من لباس الحشمة والأدب، وبشرط ألا يكون في هذه الإعلانات امتهاناً لكلام الله تعالى أو استهزاءً به وبما يدعو إليه، وإلاَّ صارت محرمة، وعلى المسلم في هذه الحالة أن يبتعد عن هذه البرامج – وإن كانت إسلامية- ما استطاع لذلك؛ حتى لا يساهم في نشر محرم أو يساعد عليه؛ فقد كره العلماء القراءة في الأسواق التي يصيح أهلها فيها بالنداء والبيع[1].
وذكر الزركشي آداب القراءة والاستماع للقرآن، فقال: ” وألاَّ يَقرأَ في المواضع القذرة، وأن يكون ذا سكينة ووقار مجانباً للذنب، محاسباً نفسه يُعرفُ القرآن في سمته وخُلقه، لأنه صاحِبُ كتاب الملك والمطَّلع على وعده ووعيده، وليتجنب القراءة في الأسواق، قاله الحليمي وألحق به الحمَّام. وقال النووي: لا بأس به في الطريق سرًّا حيث لا لغو فيها”[2].
وقال بعض أهل العلم: كثير من أقوالٍ وأفعالٍ يَخرُجُ مخرج الطاعات عند العامة، وهي مآثم عند العلماء، مثل القراءة في الأسواق، يصيح فيها أهل الأسواق بالنداء والبيع، وأهل السوق لا يمكنهم الاستماع، وذلك امتهان”[3].
وذكر النووي في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن: ” ومما يعتنى به ويتأكد الأمر به، احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين؛ فمن ذلك اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة، إلاَّ كلاماً يُضطر إليه، وليمتثل قد قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204] ومن ذلك النظر إلى ما يلهي ويبدد الذهن”[4].
وكان ابن عمر رضي الله عنهما، إذا قرأ القرآن لا يتكلم حتى يفرغ منه[5].
والله تعالى أعلم.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] ينظر: الإقناع في فقه الإمام أحمد للحجاوي (1/150).
[2] الزركشي: البرهان في علوم القرآن (1/468).
[3] كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي (1/433)؛ الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (2/1102).
[4] التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ص92.
[5] التبيان للنووي ص93.
[الشيخ] أنس الموسى
الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م
تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.
قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.
حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة، على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.
درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.
إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.
مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.
حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.
أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.