هل صحيح ما ورد في بعض الكتب أن النبي صلى الله عليه وسلم كره أن يموت في الأرض التي هاجر منها، وهي مكة، ولماذا؟

يجيب عن السؤال الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

هل صحيح ما ورد في بعض الكتب أن النبي صلى الله عليه وسلم كره أن يموت في الأرض التي هاجر منها، وهي مكة، ولماذا؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه المهاجرين الموت في مكة لئلا يذهب ثواب هجرتهم

ولعل الحكم المسؤول عنه قد فهمه السائل مما روي عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي ، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ ، وَأَنَا ذُو مَالٍ ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لَا». فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ ؟ فَقَالَ: :«لَا». ثُمَّ قَالَ: «الثُّلُثُ ، وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ ، أَوْ كَثِيرٌ ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا ، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: «إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً ، ثُمَّ لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ». يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ .([1])

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ »الْبَائِسُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَثَرُ الْبُؤْسِ ، وَهُوَ الْفَقْرُ وَالْقِلَّةُ .

قَوْلُهُ : ( يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : هَذَا مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي وَلَيْسَ هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلِ انْتَهَى كَلَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : « لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ » فَقَالَ الرَّاوِي تَفْسِيرًا لِمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ يَرْثِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَوَجَّعُ لَهُ وَيَرِقُّ عَلَيْهِ ، لِكَوْنِهِ مَاتَ بِمَكَّةَ ،

وَاخْتَلَفُوا فِي قَائِلِ هَذَا الْكَلَامِ مَنْ هُوَ ؟ فَقِيلَ : هُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ، قَالَ الْقَاضِي: وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ ،

قَالَ : وَاخْتَلَفُوا فِي قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ فَقِيلَ : لَمْ يُهَاجِرْ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى مَاتَ بِهَا . قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَغَيْرُهُ : وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ هَاجَرَ وَشَهِدَ بَدْرًا ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مَكَّةَ وَمَاتَ بِهَا . ([2])

وفي التمهيد لابن عبد البر عند الكلام عن هذا الحديث: وفيه دليل على أن المهاجر لا يجوز له المقام بالأرض التي هاجر منها أكثر مما وقت له، وذلك ثلاثة أيام، وذلك محفوظ في حديث العلاء بن الحضرمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للمهاجرين ثلاثة أيام بعد الصدر. وفيه أيضا: وقد كانوا يعدون من الكبائر أن يرجع أعرابيا بعد هجرته.([3])

ولكن قد ثبت أن بعض المهاجرين قد مات بمكة كعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه، ولكنه لم يكن مستوطنا لها، بل أدركه الموت وهو في النسك، وكسعد بن خولة على القول بأنه من المهاجرين.

وقد ذكر النووي رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث: (كَانُوا يَكْرَهُونَ الرُّجُوعَ فِيمَا تَرَكُوهُ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي قِيلَ كَانَ حُكْمُ الْهِجْرَةِ بَاقِيًا بَعْدَ الْفَتْحِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقِيلَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ هَاجَرَ قَبْلَ الْفَتْحِ فَأَمَّا مَنْ هَاجَرَ بَعْدَهُ فَلَا.)([4])

إذا فهذا الحكم خاص بالصحابة المهاجرين وليس عاما في كراهية الموت بمكة

والله أعلم.

وفقنا الله لإتمام أعمالنا و فهم سنة نبينا و الحمد لله رب العالمين

([1]) أخرجه البخاري (56) ومسلم (1628) وانظر فتح الباري 11/184
([2]) شرح النووي على صحيح مسلم  11/80
([3]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر 8/388
([4]) شرح النووي على مسلم 11/78

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان.

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق،

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.