ما هي أهمية العمل الصالح في الإسلام؟
يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع الياقتي
السؤال
ما هي أهمية العمل الصالح في الإسلام؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين، و بعد:
تكمن أهمية العمل الصالح في الإسلام في كونه يرتبط مباشرةً بالإيمان ؛ فالعمل الصالح قرين الإيمان و طريقه و ثمرته و نتيجته ، و هو يتناول كل عملٍ خالصٍ موافقٍ للشرع ابتغى به صاحبه مرضاة الله تعالى و محبته و جنته ، و لذلك كان العمل الصالح و سيلةً لدفع الكربات و إجابة الدعوات، و لرفع الكَلِمِ الطيب و لرفع الدرجات عند الله مع ما يناله صاحبه من أجرٍ و خيرٍ في الدنيا و الآخرة
التفصيل و البيان :
العمل الصالح، هو العمل بطاعة الله تعالى، وأداء فرائضه والانتهاء إلى ما أمر به.
يقول الله تبارك وتعالى:
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر 10]،
يقول سيدنا عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنه في تفسير هذه الآية:
” الْكَلَامُ الطَّيِّبُ: ذِكْرُ اللَّهِ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ: أَدَاءُ فَرَائِضِهِ؛ فَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فِي أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، حُمِلَ عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ فَصَعِدَ بِهِ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ، وَلَمْ يُؤَدِّ فَرَائِضَهُ، رَدَّ كَلَامَهُ عَلَى عَمَلِهِ، فَكَانَ أَوْلَى بِهِ ” كما ذكر المفسرون (1)
و يشترط في العمل حتى يكون صالحاً أن يجمع بين أمرين:
الأول: أن يكون موافقاً للشرع .
الثاني: و أم يكون خالصاً لله تعالى و مقصوداً به مرضاة الله وطاعته.
قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾، [الكهف 110].
يقول الإمام سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كما نقل عنه البغوي في تفسيره : ” الْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الْخَالِصُ، يَعْنِي أَنَّ الْإِخْلَاصَ سَبَبُ قَبُولِ الْخَيْرَاتِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: “فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا” ، فَجَعَلَ نَقِيضَ الصَّالِحِ الشِّرْكَ وَالرِّيَاءَ، ..” (2).
أهمية العمل الصالح و مكانته في الإسلام:
تكمن هذه الأهمية العظيمة في ارتباطه بالإيمان:
– فهو -أولاً- مكمل له : كما ذكر العلماء في تعريف الإيمان بأنه : ” تصديقٌ بالجَنان و عملٌ بالأركان” أو ” هو ما وقر في القلب و صدَقه العمل”
– و ثانياً : هو ثمرة و نتيجة للإيمان : كما يقول الإمام النووي – في شرح مسلم عند حديث ” إن الصدق يهدي إلى البر ” – : ( قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَاهُ أَنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ الْخَالِصِ مِنْ كُلِّ مَذْمُومٍ ، وَالْبِرُّ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ كُلِّهِ وَقِيلَ الْبِرُّ الْجَنَّةُ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالْجَنَّةَ )(3)
– و ثالثاً: فهو قرينه في القرآن، فلا يكاد يخلو ذكرٌ للإيمان في القرآن إلا و اقترن معه ذكر العمل الصالح بعبارات مختلفة، و سنستعرض بعض الآيات التي توضح هذه المعاني، و تبين أيضاً مكانة العمل الصالح في الإسلام و فضله ،
يقول تعالى :
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح 29]
و ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ [ الرعد 29]
و ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل 97]
و ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت 7]
و ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ سورة العصر.
و من الأمور التي تبين أيضاً أهمية العمل الصالح و مكانته في الإسلام بوضوح :
1- أنه مما يُتوسَّلُ به إلى الله و يُستشفّع به عنده و يجاب عنده الدعاء ، كما في قصة أصحاب الغار . فعن عبدِ الله بنِ عمرَ بن الخطابِ رضيَ اللهُ عنهما، قَالَ: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (انطَلَقَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ المَبيتُ إِلى غَارٍ فَدَخلُوهُ، فانْحَدرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَاّ أَنْ تَدْعُوا اللهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ…) متفق عليه (4)
2- أنه هو الذي يرفع الكلم الطيب ، كما مر معنا في قَوْله عَزَّ وَجَلَّ:
﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ ، أَيْ: يَرْفَعُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ، فَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ “يَرْفَعُهُ ” رَاجِعَةٌ إِلَى الْكَلِمِ الطَّيِّبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ.
وعن الحسن البصري أنه قال: ( العمل الصالح يرفع الكلام الطيب إلى الله، ويُعرَضُ القولُ على العمل؛ فإن وافقه رُفع، وإلا رُدّ )(5)
وَقِيلَ: الرَّفْعُ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ عز وجل ، و مَعْنَاهُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَقِيلَ: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الْعِزَّةَ وَعَلِمَ أَنَّهَا تُطْلَبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.(6)
فكل هذه المعاني و الأقوال تدل على أهمية العمل الصالح و مكانته في الإسلام
3- و تبرز أهمية العمل الصالح أيضاً من خلال اقترانه بالصبر كما في قوله تعالى :
﴿إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود 11]
فقد استثنى اللَّه تعالى الصابرين، وذكر في أوصافهم العمل الصالح (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، أي عملوا كل شيء فيه صلاح أنفسهم وجماعتهم، وصلاح دينهم الذي هو عصمة أمرهم . (7)
يقول الشيخ العلامة أبو زُهرة في كتابه زهرة التفاسير : ( والعمل الصالح هو كل عمل فيه خير للمجتمع الذي يعيش فيه المؤمن، يبتدئ فيه بالأسرة: الأقرب فالأقرب، ثم بالجيران: الأدنى فالأدنى، ثم بالعشيرة كلها، ثم بقومه، ثم بأمته.
وإن اقتران الإيمان دائما بالعمل الصالح يدل على أن الإسلام يدعو إلى العمل الإيجابي للخير، فليس الإيمان في الإسلام مجرد نزاهة روحية، وتعبد في الصوامع، …
وإذا كان العمل الصالح هو النفع العام والنفع الخاص، فإنه يفترق عن الصلاة والزكاة، من حيث إن هذه هي الفرائض الوقتية المنظمة للعلاقات بين العبد وربه، وبين العبد والناس، أما العمل الصالح فهو الحال الدائمة للمؤمن التي لا تتقيد بزمان ولا مكان، ولا حال، فكما أن الإيمان حال دائمة، فالعمل الصالح أي النفع الدائم المستمر للإنسان هو الذي ينبغي أن يكون حالا دائمة مستمرة للمؤمن. ) (8)
بناء على ما سبق :
فأوصيك -أخي المسلم و نفسي – بالإكثار من عمل الصالحات مع الصدق و الإخلاص في النيات ؛لكي نكون من أهل العمل الصالح، الذين وصفهم الله تعالى و امتدحهم بقوله : ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت 33]
اللهم اجعلنا منهم و معهم برحمتك يا أرحم الراحمين
المصادر و المراجع :
1-تفسير الطبري : [19\339] وغيره
2- تفسير البغوي : [6 \415]
3- شرح مسلم للنووي : [16\160]
4- صحيح البخاري : [3\104]رقم (2215) ، و صحيح مسلم : [8\98]، و رقم (2743) و (100).
5-تفسير الدر المنثور للإمام السيوطي ، دار الفكر – بيروت [7\9] .
6- تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) : [14\331]
7- كتاب زهرة التفاسير للمؤلف محمد أبو زُهرة : [7\674] ، دار الفكر العربي
8- كتاب زهرة التفاسير للمؤلف محمد أبو زُهرة : [2\1053]