ما هو أثر القراءات القرآنية في فهم النصوص الشرعية؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى

السؤال

ما هو أثر القراءات القرآنية في فهم النصوص الشرعية؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

لعلم القراءات أثر في فهم القرآن، لكن ليس لكل القراءات القرآنية ذلك الأثر؛ فالاختلاف في وجوه أداء بعض الكلمات القرآنية، كتسهيل الهمزة وتحقيقها، وإمالة الألفات وتقليلها وإشباع المدود وقصرها وتوسطها… هو مما اختلفت فيه القراءات، والقرّاء، لكن ليس لهذه الاختلافات أثر في فهم النصوص الشرعية، وإن كان لها أثر بلاغي يظهر فيه إعجاز القرآن.

الاختلافات المؤثرة في فهم النصوص الشرعية

وأما ما لاختلاف القراءات أثر في فهم النصوص الشرعية: فهو ما يكون سبب الاختلاف فيه زيادة بعض الحروف، أو نقصها في بعض الكلمات، واختلاف الحركات التي يختلف بسببها المعنى. واختلافُ القراءات في مثل هذا على ثلاثة أضرب:

 توضيح معنى الآية

إمَّا أن يبيّن معنى الآية ويوضحه: نحو أوجه قراءة قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّين} [الفاتحة:4] والدين هو الحساب. فبعض القراء يقرأ {مَالِكِ} بالألف، وقرأ بعضهم {مَلِكِ} بلا ألف، ومن قرأ {مَلِكِ} فتقديره: المَلِكِ في يوم الدين، فيشبه قول الله تعالى: {مَلِكِ النَّاسِ} [الناس:2]، فكل ملك مالك ولا عكس، إذ قد يكون مالكاً لأشياء، ولا يكون مَلكاً عليها. ومن قرأ {مَالِكِ يوم الدين} فنحو قوله تعالى: {قل اللهم مَالِكَ الْمُلْكِ} [آلِ عمران: 26]، ولأن {مَالِكِ يوم الدين} عندهم أعم من مَلِكِ من جهة الوصف، فمالك تَحْسُنُ إضافته إلى جميع الأشياء، نحو: مالك الناس، ومالك البيت، ومالك العصفور ومالك السيارة، ونحوها، بخلاف ملك فلا تقول ملك العصفور. ومن حيث المعنى لا تضاد بين المعنيين لكلا اللفظين، فلكل منهما وجه في المعنى ينفرد به عن الآخر، لكن لا يتضادان.

توسيع معنى الآية

وإما أن يكون الخلاف في القراءة سبباً في توسيع معنى الآية: نحو أوجه قراءة قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] قُرئ بالتشديد (حتى يطَّهَرْنَ)، ومن قرأ بالتشديد أراد: حتى يغتسلن. ومن قرأ بالتخفيف أراد: ينقطعُ دمهن، وعلى هاتين القراءتين ينبني الخلاف بين الشافعي وأبي حنيفة، في جواز وط‍ء الحائض إذا انقطع دمها لأكثر الحيض (10 أيام) قبل الغسل، فأجازه أبو حنيفة وأباه الشافعي.

 إزالة الإشكال في الآية

أو يكون الخلاف في القراءة سبباً في إزالة الإشكال في الآية: نحو أوجه قراءة قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّك} [المائدة: 112]. فهذا قول الحواريين لسيدنا عيسى، وهم مؤمنون يعلمون أن الله قادر على كلّ شيء والمعنى: هل يفعل ربّك ويرضى، أو هل يجيبك إلى مطلبك فينزل علينا مائدة طعام من السماء؟ أو لا؟ فأرادوا علم المعاينة والمشاهدة والاطمئنان بعد توافر الاعتقاد والعلم بقدرة الله تعالى. كما قال سيدنا إبراهيم عليه السّلام: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي ‌كَيْفَ ‌تُحْيِ ‌الْمَوْتَى ﴾ [البقرة: 260]. وهناك من قرأ: (هل تَسْتَطِيعُ ربَّك): والتقدير فيه: هل تستطيع سؤال ربّك، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، كقوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ ‌الْقَرْيَةَ ‌الَّتِي ‌كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [يوسف: 82] أي: اسأل أهل القرية وأهل العير. فهذه القراءة أزالت الإشكال الذي قد يحصل في فهم الآية.

ملحوظات

– ذكر العلماء بأن تعدد القراءات يُنزّل منزلةَ تعدّد الآيات.

– بالاتفاق بين سائر أهل الملّة، أن اختلاف القراءات الثابتة بالتواتر كلّها قرآن منزل.

– الاختلافات الحاصلة في القراءة ليست من باب التناقض؛ بمعنى أن المفسّر يلجأ إلى هدر أحد الوجهين إذا اعتمد الآخر، بل هي ذات معانٍ متضامنة يكمّل بعضها بعضًا، وقد يدلّ الوجه على ما لا يدلّ عليه أخوه، ولكنه لا ينافره ولا يضادّه، بل يمنح معنى جديدًا يضيء للمفسر سبيل التفسير.

– وينبغي التنبه إلى أن اختلاف القراءات يسيرة قليلة، وليست اختلافات كثيرة.

الخاتمة

وأخيراً: يمكن القول: بأن ما له أثر في المعنى من القراءات هو في أغلب مواضعه من قبيل اختلاف التنوع. وما تضادَّ فيه المعنى وامتنع الاجتماع فهو من نوع المتضاد الذي لا يلزم منه بطلان أحد القولين؛ بل كلٌّ منهما صواب على حدة.

وذكر العلماء قاعدة أغلبية فحواها: كل اختلاف في أداء الألفاظ القرآنية -مما له أثر في التفسير هو من باب اختلاف التنوع في المعنى. والله تعالى أعلم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الشيخ أنس الموسى

هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.z