ما معنى قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “واليد العليا خير من اليد السفلى” ؟

يجيب عن السؤال الشيخ الأستاذ الدكتور باسم حسين عيتانيي  

السؤال

ما معنى قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “واليد العليا خير من اليد السفلى” ؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه؛

هذا الحديث الشريف الذي نطق به رسول الله أشرف الخلق على الإطلاق – صلى الله عليه وسلم – : ” اليد العليا خير من اليد السفلى” [صحيح البخاري] يحقق معنى تصويرياً رائعاً من البيان، ويثيرالوجدان نحو صور أدبية إبداعية، ممّا يؤدي إلى تغذية العقل والقلب، ويمثل هذا النص النبوي حقيقة جوامع الكلم التي أوتيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهي تعبرعن كلام موجز تقلُّ ألفاظه وتكثر معانيه، وهذا ما حبا اللهُ رسوله ببيان كلاميٍ فريدٍ من نوعه.

ويمكن لك أخي السائل أن ترسم في ذهنك ثلاث صور ظاهرة للحديث:

الصورة الأولى: “اليد العليا” تمثل صورة المنفق والمتصدق والباذل والمعطي والمتكسب والعامل والمترفع والمتعفف.

الصورة الثانية: “اليد السفلى” تمثل صورة السائل والمحتاج والفقير والضعيف والعاجز والكَسِل والذليل المكسور الخاطر.

الصورة الثالثة: إثبات الأفضلية للصورة الأولى دون الصورة الثانية.

يظهر لنا أن المنفق سواء كان غنياً أو فقيراً أفضل من الآخذ وهو السائل لاعتبارات كثيرة، فالمنفق ينفق على قريب له أو أجنبي عنه فهو متصدق، والمنفق يبذل ماله ويعطيه للآخرين فهو باذلٌ ومُعطٍ، والمنفق في العادة لايسطيع أن ينفق إلا إذا كان يعمل ويكتسب المال، فلا بد أن يكون عاملاً ومكتسباً، ومن اعتاد الإنفاق اعتاد الترفع والتعفف فهو يتعالى ويتمنع عن أن يسأل المال. وكل ذلك يتحقق في اليد العليا.

ويظهر أن السائل لأخذ المال في العادة لايسال إلا لحاجة أو فقر فهو محتاج أو فقير، والضعف والعجز سببان طبيعيان لدفع الإنسان للسؤال، والكَسَل علة في الأشخاص غير المنتجين توصلهم إلى السؤال لأخذ المال، وكل إنسان سويّ في نفسيته يسأل المال ويأخذه دون مقابل  إلا ويشعر بالذلة. وكل ذلك يتحقق في اليد السفلى.

نستطيع أن نقول: إن اليد العليا تمثل المؤمن القوي، لأن المنفق بما أعطاه الله من المال ليدعم به الآخر، فهو ينفق في سبيل الله بسبب إيمانه العميق بالله تعالى  للمجتمع على من هو محتاج وفقير وعاجز وعلى الجمعيات الخيرية والمؤسسات الوقفية وغير ذلك، والمنفق  نفعه واضح يتعدى إلى غيره، وخيره مؤثر ينتشر بين الناس، واليد السفلى تمثل المؤمن الضعيف لعدم الإنفاق وعدم تعدي نفعه وخيره، من هنا ندرك قول الرسول – صلى الله عليه وسلم -:” المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلٍ خيرٌ” [صحيح مسلم]

و نقطة مهمة ننبه إليها؛ وهي أن كلمة العليا في “اليد العليا” لا تدل على التعالي السلبي بمعنى التعجرف والتكبر على الآخر، وإنما تدل على المعالي أي المعاني السامية التي ذكرناها. وإن كلمة السفلى في “اليد السفلى” لا تدل على التحقير والإهانة وحاشا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يهين أحداً، لكن تدل على عدم حصول فضيلة الإنفاق التي عرفنا نفعها وخيريتها، ولأنه قد يكون من يتصف باليد السفلى أفضل ممن يتصف باليد العليا باعتبارات أخرى بزيادة عبادة كذكر وصلاة وصوم أوزيادة خلق وأدب وغير ذلك.

أخي السائل؛ كن ممن يكافحون ويعملون ويكتسبون ويتعففون وممن ينفق ماله في الخير مااستطعت ، حتى تُحرِز وصف “اليد العليا” وتتجنب الوصف الآخر “اليد السفلى” .

جعلني الله وإياكم ممن وفقهم الله تعالى إلى الإنفاق في سبيله، وتحققت فيهم صورة اليد العليا.

– صحيح البخاري، تحقيق: البغا، دمشق، دار ابن كثير، ط5،(١٤١٤هـ – ١٩٩٣ م)

518/2 ،ر: 1361

– صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، البابي الحلبي،

(١٣٧٤ هـ – ١٩٥٥ م) 2052/4، ر:2664