ما معنى الإنصاف وما فوائده؟
يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى
السؤال
ما معنى الإنصاف وما فوائده؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
الإنصاف:
هو العدل في المعاملة بأن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلّا ما يعطيه، ولا يُنيله من المضارّ إلّا كما يُنيله.
والإنصاف في الخدمة: وهو أن يعطي صاحبه ما عليه بإزاء ما يأخذ من النّفع.
قال المناويّ: الإنصاف والعدل توءمان. (1)
وقد بين القرآن معاني الإنصاف في كثير من الآيات؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135]
وقال تعالى أيضاً: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]
كما وبيَّنت السنة معاني الإنصاف وحضت عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». (2)
وعَنِ الْمَعْرُورِ قَالَ: «لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ». (3)
أنواع الإنصاف:
– أن ينصف المرء نفسه من نفسه: فلا يُنصف الناسَ من لا ينصفُ نفسَه؛ ففاقد الشيء لا يعطيه وإنصاف المرء نفسه من نفسه، بألّا يدّعي لها ما ليس لها، ولا يُخبّثها بتدنيسِه لها، وتصغيرِه إيّاها وتحقيرِها بمعاصي الله عزّ وجلّ، بل ينمّيها ويكبّرها ويرفعها بطاعة الله وتوحيده.
كما أنّ إنصاف المرء نفسه من نفسه، يوجب عليه معرفة ربّه وحقّه عليه، ومعرفةَ نفسه، وما خُلقت له، وألّا يزاحم بها مالكها وفاطرها ويدّعي لها المَلكة والاستحقاق، ويزاحم مراد سيّده، ويدفعَهُ بمراده هو، أو يقدّمُ مراده (كالشّهوات مثلاً)، ويؤثره على مراد مولاه… (4)
– أن ينصف المرء خالقه عزّ وجلّ: فلا يتصوّر أن ينصف المخلوقين من لا ينصف الخالق عزّ وجلّ. قال ابن القيّم: «طوبى لمن أنصف ربّه فأقرّ له بالجهل في علمه، والآفات في عمله، والعيوب في نفسه، والتّفريط في حقّه، والظّلم في معاملته، فإن آخذَهُ بذنوبه رأى عدله، وإن لم يؤاخذه بها رأى فضله..”. والإنصاف في معاملة الله أن يعطي العبوديّة حقّها، وأن لا ينازع ربّه صفات إلهيّته، وأن لا يشكر على نعمه سواه، ولا يستعين بها على معاصيه، ولا يحمد غيره، ولا يعبد سواه”.
– إنصاف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: بالقيام بحقوقه صلّى الله عليه وسلّم من الإيمان به، ومحبّته وتقديمها على محبّة الخلق كلّهم، وطاعته وتوقيره وتبجيله، وتقديم أمره وقوله على أمر غيره وقوله. فمن الظّلم العظيم أن يُخلّ العبد بشيء من حقوق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأرحم بهم وأرأف بهم من كلّ أحد من الخلق، وهو الّذي لم يصل إلى أحد خير إلّا على يديه.
– إنصاف العباد: أن يقوم المسلم بإنصاف الغير من نفسه أو ممّن يُحبّ، حتّى لو كان هذا الغير مخالفًا له في الرّأي، أو في الدّين، أو في المذهب. (5)
فوائد الإنصاف:
فوائد الإنصاف كثيرة فالكون قائم على ميزان العدل قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ [الرحمن: 7-9]
من فوائد الإنصاف:
1- بالإنصاف تسود المحبّة ويشعر كلّ امرى بالطّمأنينة ويأمن على نفسه وماله وعرضه.
2-بالإنصاف تعود الحقوق إلى أصحابها وتعمّ روح العدالة، ويشعر الإنسان بأنّه آمن في يومه وغده.
3- إنصاف العبد من نفسه دليل على التّجرّد من الأنانيّة.
4- بالإنصاف تُنتزع صفات الحقد والكراهيّة من النفوس.
5- بالإنصاف يشعر الفقير والضّعيف واليتيم بما يطمئنه على مستقبله دون خوف من ظلم أو خشية من جور.
وأخيراً:
إزدواجية المعايير في عالمنا اليوم؛ أورثت في النفوس حقدًا ومرارةً على الظالمين والطغاة الذين لا يعرفون معنى الإنصاف، فظهرت ردود أفعال شديدة من المضطهدين تجاه الظالمين تجاوزت الحدود في بعض الأحيان، وسبب ذلك هو شعور المظلوم بالحزن الشديد حين يُعتدى عليه ويُسلب ماله وينتهك عرضه، ثم بعد ذلك يتهم بأنه إرهابي حين يطالب ببعض حقوقه، أو حين يَهِمُّ باسترداد بعض ما سُلب منه.
ولن يعيد التوازن إلى الدنيا حتى ينتشر الإنصاف بين الناس والشعوب والحكومات، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: “لا قُدِّست أمةٌ لا يُعطى الضعيف فيها حقَّه غير مُتَعْتَعٍ”. (6) والله تعالى أعلم
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1): ينظر: المفردات للراغب الأصفهاني ص475؛ التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص64.
(2): صحيح البخاري (13).
(3): صحيح البخاري (30).
(4): ينظر: الفوائد لابن القيم (1/47)؛ زاد المعاد لابن القيم (2/372)؛ نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (3/578).
(5): ينظر: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (3/579).
(6): مصنف ابن أبي شيبة (23526).
[الشيخ] أنس الموسى
الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م
تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.
قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.
حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة، على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.
درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.
إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.
مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.
حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.
أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.