ما مدى مرونة الشريعة وتكييفها لتلبية متطلبات الحياة الحديثة؟

يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور باسم عيتاني

السؤال

ما مدى مرونة الشريعة وتكييفها لتلبية متطلبات الحياة الحديثة؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛

مبادئ التمويل الإسلامي

إن الشريعة الإسلامية لها خاصية المرونة التي تجعلها قابلة للتكيف مع القضايا المعاصرة ولتلبية المتطلبات الحديثة، وتكتسب مرونتها من خلال النص القرآني في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107] فيلزم من عالمية الإرسال أن تكون الشريعة مرنة لتلبية متطلبات الحياة الحديثة، وحاجات الناس المتجددة.

أهم المبادىء الأساسية في التمويل الإسلامي

الشريعة الإسلامية تختزن في نصوصها ومصادرها وقواعدها ما يُكسبها المرونة لتفي بحاجات الحياة الحديثة، وهذه المرونة تمتد من زمن ابتداء وحي التشريع إلى يوم القيامة لما تتميز هذه الشريعة بسمو الفطرة، والرحمة، والعدل، ومراعاة الواقع، والموازنة بين الحقوق والواجبات، وجلب المصالح ودرء المفاسد، وبما انبنت عليه من تعدد فُهوم النصوص، ومن التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد، ومن أصول منهجية اجتهادية كالقياس والاستحسان والمصلحة والضرورة والحاجة والعرف وغير ذلك.

وهنا نشير إلى قول العلامة ابن عابدين – رحمه الله تعالى – وهو يبين مرونة الشريعة في قضية تغيرالأحكام بتغير الأزمان حيث قال : (ولهذا قالوا في شروط الاجتهاد أنّه لابد فيه من معرفة عادات الناس، فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولاً للزم منه المشقة والضرر بالناس، ويخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد لبقاء العالم على أتمّ نظام وأحسن إحكام) [ نشر العَرف في بناء بعض الأحكام على العُرف، محمد أمين أفندي المشهوربابن عابدين، دار السعادات، (1325هـ -1920م) اسطنبول، تركيا. ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين. ص125]

 ونضرب لك مثلاً على ذلك حتى تتضح مدى مرونة الشريعة في الإسلام، ففي عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – كان ينهى عن التقاط ضوالّ الإبل ثم تغير الحكم في زمن عثمان – رضي الله عنه-  لِمَ كان ينهى النبي ﷺ عن التقاطها؟ لأنه لا يُخشى عليها ما يُخشى على غيرها من ضوال الغنم من الضياع، لأنه يأتي صاحب الإبل ويجدها فيأخذها. وقد ظلّ هذا الحكم جارياً إلى عهد عمر – رضي الله عنه – فلما كان عهد عثمان أمر بالتقاط الإبل وبيعها، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها، ففي عهده دبّ فساد الأخلاق والذمم في الناس وامتدت أيديهم إلى الحرام، فنجد أن الحكم تغير، لأن ذلك تدبير أصون لضالة الإبل وأحفظ لحق صاحبها خوفاً من أن تنالها يد طامع أو معتدٍ. والمقصود من ذلك هو حفظ مال الرَّعية من قِبل المسؤول وهو الخليفة آنذاك، وهذا موافق لمقصود الشرع، إذ لو بقي العمل بموجب أمر الرسول بعد فساد الزمان لآلَ على عكس مراده – صلى الله عليه وسلم – في صيانة أموال الناس، وكانت نتيجته ضرراً، وهذا ما لا تقبله الشريعة.[ القواعد الفقهية بشرح موجز، عزت عبيد الدعاس، دار الترمذي، ط3، حمص، سوريا. ص60]

الخلاصة

من تعمق في الشريعة الإسلامية، وخاض في معرفة الفقه الإسلامي وأصوله فسيرى في آراء الفقهاء وأدلتهم في الزمن السابق، والزمن الحديث ما يدل على براعة الاستنباط واستخراج الأحكام الشرعية وإن تفاوتت الأحكام فيما بينهم، وما يدلّ على مدى مرونة الشريعة التي ميّزها الله تعالى بها وبخصائص أخرى لبقاء استمرارها حتى تتحقق خاتمية الشرائع فيها.