ما دور الصبر والعفو، كما ورد في قوله تعالى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ﴾ [الشورى: 43]، في تطوير الأخلاق الحسنة؟
يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أهمية الصبر والعفو في الأخلاق الحسنة
يقول الله تعالى:
﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43]
تشير هذه الآية إلى أن الصبر على الأذى والعفو عن الناس من أعلى مراتب الأخلاق، ومن صفات أولي العزم والقوة النفسية. فمن تحمل الأذى ولم ينتصر لنفسه، بل تجاوز وسامح، فقد ارتقى في مدارج الأخلاق الكريمة، وأصبح ممن نالوا محبة الله وتوفيقه.
﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]
العفو عن الناس وكظم الغيظ من علامات الإحسان، ومن الخصال التي ترفع صاحبها عند الله.
جاء في الحديث الشريف أن النبي ﷺ قال: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ» [مسند أحمد (15637)].
كيف ينعكس الصبر والعفو على المجتمع؟
تعزيز روح التسامح والتعايش:
العفو عن الزلات يجعل العلاقات بين الناس أكثر استقرارًا ويقلل من النزاعات والصراعات.
القضاء على العداوات:
كما قال الله تعالى:
﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34]
أي أن مقابلة الإساءة بالإحسان قد تحول العدو إلى صديق مقرب.
تعزيز التحكم بالنفس:
النبي ﷺ قال: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، قَالُوا: فَالشَّدِيدُ أَيُّمَ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» [صحيح مسلم (2609)].
الخاتمة
الصبر والعفو مفتاح القلوب وصمام الأمان للمجتمع، وهما من أسمى الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، ومن يتحلى بهما يكون من أهل العزم والفضل. فليحرص المسلم على التحلي بهما، ليكون من المحسنين الذين يحبهم الله.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
المصادر:
(1) مسند أحمد (15637).
(2) صحيح مسلم (2609).
وينظر: وهبة الزحيلي، التفسير المنير (24/271)
الشيخ أنس الموسى
هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م
تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.
قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.
حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة، على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.
درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.
إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.
مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.
حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.
أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبو