ما حكم من جامع زوجته عامداً في نهار رمضان؟

 يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

ما حكم من جامع زوجته عامداً في نهار رمضان؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ فإن صوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام الخمسة، ومن المعلوم بالضرورة، والمحافظة عليه مما يبطله أمر واجب على كل مكلف.

ولهذا شرع للصائم أن يشغل نهاره بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن الكريم، وكره للصائم أن يقبل زوجته، وخصوصاً من لا يملك إربه. فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِه(1). فالحديث دليل على إباحتها لمن يملك إربه، وتحريمها على من تحرك شهوته، لأنها تفضي به إلى الجماع المحرم على الصائم. وروى أبو داود عن أبي هريرة: أن رجلا سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن القبلة للصائم؟ فأباحها له، وسأله آخر عنها، فكرهها له. وفي رواية عن عطاء بن يسار: أن ابن عباس سئلَ: عن القبلة للصائم؟ فأرخص فيها للشيخ، وكرهها للشاب(2).

قال الإمام الترمذي: “حديث عائشة حديث حسن صحيح, واختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم في القبلة للصائم: فرخص بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في القبلة للشيخ، ولم يرخصوا للشاب مخافة أن لا يسلم له صومه، والمباشرة عندهم أشد”(3).

وحكم الجماع في نهار رمضان: أنه كبيرة من الكبائر، يترتب عليها:

1- بطلان الصوم.

2- ووجوب القضاء.

3- ولزوم الكفارة العظمى.

4- مع التعزير على قول.

[1] فأما بطلان الصوم، فهو واضح، لأن المجامع أفسد صومه بالإيلاج، وهو محرم ومحظور على الصائم، قال تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم)[البقرة: 187]، مفهوم الآية حل الرفث إلى النساء ليلاً، وتحريمه نهاراً. فمن رفث في النهار فقد أفسد صومه، بالإجماع.

[2] وأما وجوب القضاء، فقد اتفقت على وجوبه المذاهب الأربعة، بلا خلاف بينها، قال الإمام النووي: “يجب على المُكَفِّرِ مع الكفَّارةِ قَضاءُ اليومِ الذي جامع فيه. هذا هو المشهورُ مِن مَذهَبِنا”(4).

[3] وأما وجوب الكفارة، فأيضاً باتفاق المذاهب الأربعة، بلا خلاف، يجب على المفسد صومه بالجماع أن يكفر كفارة على الترتيب، إما بعتق رقبة، أو بصوم شهرين متتابعين، أو بإطعام ستين مسكيناً، لحديث أبي هريرة عند الشيخين(5). قال الشيخ بافضل في (المقدمة الحضرمية): “ويجب الكفارة على من أفسد صوم رمضان بالجماع، … لا على المرأة ولا من جامع ناسيًا أو مكرهًا، ولا على من أفسد صوم غير رمضان، … وهي: عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب التي تخل بالعمل، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر أطعم ستين مسكينًا كل واحد مدًّا”(6).

[4] التعزير، وفيه خلاف بين الأصحاب في وجوبه، وقد صرح به الرافعي في (شرح المسند)، وابن يونس في (التعجيز)، ونقل البغوي في (شرح السنة) الإجماع عليه(7)، وقال البلقيني في (التدريب): “وادعى البغوي في (شرح السنة) إجماعَ الأمة عليه، ونازعه شيخُنا في ذلك. وقال: إن الصحيحَ من الأوجُه: أنه لا يعزَّر، وجزمَ ابن الرفعة بهذَا، وهو المعتمَدُ. وقال: ووهم من جعله وجهاً”(8).

الهوامش:

1- البخاري، صحيح البخاري: حديث رقم 1927؛ القشيري، صحيح مسلم، حديث رقم 1106.

2- السجستاني، سنن أبي داود: 2/ 312، حديث رقم 2387؛ النووي، المجموع شرح المهذب: 6/ 354.

3- الترمذي، سنن الترمذي: 2/ 98.

4- النووي، المجموع: 6/ 344

5- البخاري، صحيح البخاري: حديث رقم 6709؛ القشيري، صحيح مسلم، حديث رقم 1111.

6- بافضل، المقدمة الحضرمية (مع شرح ابن حجر): ص 258.

7- الدميري، النجم الوهاج شرح المنهاج: 9/ 237.

8- البلقيني، التدريب في الفقه الشافعي: 4/ 203.

[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)