ما حكم الرجوع في الهبة، وهل كل رجوع حرام؟

يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

ما حكم الرجوع في الهبة، وهل كل رجوع حرام؟

الجواب

الحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله،

فإن الهبة، كما عرفها الفقهاء: تمليك في الحياة بغيرعوض. وهي في معنى الهدية والصدقة، ويشملها كلها لفظ العطية. وهي من السنن المأمور بها، لعموم حديث: (تهادوا تحابوا)(1). وصحت أحاديث تبين حكم الهبة، وحكم أخذها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويرد الصدقة(2).

ومن الأحكام المتعلقة بالهبة، الرجوع فيها، فقد يهب شخص لآخر شيئاً ثم يرجع في هبته، ويقول: هو لا يستحق، لأسباب متعددة، منها الغضب، أو تغير الرأي، وغير ذلك.

حكم الرجوع في الهبة

 حكم الرجوع في الهبة: الأصل في ذلك النهي لحديث: (العائد في هبته كالعائد في قَيئِه) (3)، وهل هذا النهي للتحريم أم للكراهة؟ اختلف الفقهاء على قولين:

القول الأول: أن النهي للكراهة، لعدم لزوم العقد لأنه عقد تبرع جائز من الطرفين لا يثبت بمجرد القول، بل لا تلزم الهبة الواهبَ إلا بقبض الموهوب، وهو قول الحنفية والشافعية والحنابلة(4)، بدليل إجماع الصحابة دون مخالف. وقالوا أيضاً: بل يجوز الرجوع حتى في حال وقع القبض إذا كان الرجوع بعوض، لحديث أبي هُرَيرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الواهِبُ أحقُّ بهبتِه ما لم يُثب منها)، (5).

القول الثاني: أن النهي للتحريم، لأن الهبة عقد تبرع يلزم بمجرد اللفظ، قال بهذا القول المالكيَّة (6)، إلى القول بلزوم الهِبَة بمُجرَّد العقد؛ عملاً بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قَيئِه) (7).

ليس كل رجوع محرم

هذا حكم الرجوع في الهبة باختصار، ومنه نعلم أنه ليس كل رجوع محرم، بل يجوز الرجوع قبل قبض الموهوب كما عليه المذاهب الثلاثة عدا المالكية. فإذا قبضت الهبة لزمت عندهم، بينما عند المالكية تلزم بمجرد التلفظ بها.

والله الموفق والهادي سواء السبيل.

الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (seekersguidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)

الهوامش:

1- البيهقي، السنن الكبرى: 6/ 169.
2- رواه أبو داود، حديث رقم 4512.
3- صحيح البخاري، حديث رقم 2621؛ وصحيح مسلم، حديث رقم 1622.
4- ينظر: النووي، المجموع: 15 / 370؛ ابن قدامة، المغني: 8 / 329؛ عليش، منح الجليل شرح مختصر سيدي خليل: 8 / 174؛ ابن جزي: القوانين الفقهية: ص 241.
5- سبق تخريجه. ابن ماجه 2/ 798
6- ينظر: السرخسي، المبسوط: 12 / 47.
7- سبق تخريجه.