ما حكم اعتقاد أن الله خلق الكون ثم تركه يدبر نفسه؟ وكيف نرد على معتقد ذلك؟
يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور باسم عيتاني
السؤال
ما حكم اعتقاد أن الله خلق الكون ثم تركه يدبر نفسه؟ وكيف نرد على معتقد ذلك؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين؛
أخي السائل الفاضل؛
لا يجوز اعتقاد أن الله تعالى خلق الكون ثم تركه يدبر نفسه، لأن في ذلك نفياً عن الله تعالى الحكمة التي يتصف بها، فتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ويرد على ذلك بأن نفي الحكمة عن الله مستحيل عقلاً، ومخالف لما يشاهد من إتقان هذا الكون من الذرة أصغر مخلوق إلى أكبر مخلوق إتقاناً تاماً، فهو يدلّ على خالق مدبِّر بديع حكيم.
إن العقل يقر بكمال الله تعالى وحكمته البالغة في هذا العالم، وينزهه عن العبث، فيستحيل أن يخلق الكون ثم يتركه يدبر نفسه لوحده، فكمال حكمته تقتضي أن لا يخلق العالم وأن لايخلق عباده ويتركهم هملاً، لأنهم محتاجون إليه سبحانه احتياج ديمومة، والخلق مفطورون على ذلك.
ومن يقول بذلك فقد نفى حكمة الخالق العظيم الذي له ملك السموات والأرض، وأثبت العبثية على الله تعالى، وأقر بإبعاد الله تعالى عن العالم، ولذلك ردّ القرآن العظيم على هذا المفهوم الباطل، قال الله تعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش العظيم) [المؤمنون:115،114]
فدليل العناية يبطل هذا المعتقد لأن ظاهرة الإتقان يلاحظ فيها أول ما يلاحظ عناية الله العليم بخلقه، وتهيئته صور الإتقان المناسبة لصالحهم. قال الله تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88] فلايوجد شيء في العالم إلا متقن محكم. [ ينظر: العقيدة الإسلامية وأسسها] والعناية والإتقان في هذا العالم لا ينفكان عن أي مخلوق، حيث إنه يحتاج إلى إمداد دائم لأنه في حركة مستمرة، ويستحيل بقاء الإتقان والعناية دون مدد، لأننا سنشهد العدم في العالم لفقد ديمومة المدد، ووجود العالم يدلل على نفوذ قدرة الله فيه. فهذا الدليل يقطع معتقد ترك الله الكون يدبر نفسه بنفسه.
ويُرَدُّ على هذا المفهوم إبعاد الله تعالى عن الكون،أنه ينفي كمال ألوهية الله تعالى، فإن كمال الألوهية أن يكون الله تعالى مطاعاً، والمطاع يكون له أوامر ونواه، ومعرفة ذلك لا تكون إلا بالرسل، والرسل يوحى إليهم من الله تعالى، فهذا فعل منه تعالى في العالم، وإرسال الرسل هو مناقض لمفهوم إبعاد الله تعالى عن العالم، وهذا يؤدي إلى نفي الرسل أيضاً.
قال الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء: 163 – 165]
ويُرَدُّ على هذا المفهوم إبعاد الله تعالى عن الكون بمفهوم الحساب يوم القيامة، فإن الله يحاسب عباده في الآخرة، فالطائع له الجنة والجاحد له النار، قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ۞ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ۞ وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا ۞ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ۞ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ۞ وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا ۞ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا ۞ إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ۞ بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا) [: 7-15]
وهذا فعل من الله وهو المحاسبة في الآخرة، وهذا ينفي إبعاد الله عن الكون، فهذا المفهوم يوصف الله بالنقص لأن المحاسبة في اليوم الآخر تتجلى فيه عدالة الله تعالى وحكمته، وترك ذلك هملاً يعتبر عبثية يسوي بين المجرم والمسالم، والكافر والمؤمن، والظالم والمظلوم، وهذا لايقبله عاقل.
أخي السائل؛
من الضروري في عصرنا تعلم علم العقيدة الإسلامية ومعرفة ما هو ضروري علمُه في العقيدة، لأن علم العقيدة يبني الحصن العقدي عند المؤمن، وخاصة أن هناك شبهات عقدية تحوم حول شبابنا وبناتنا وهي معول هدام يهدد الحصون العقدية، فلأجل رد هذه الشبهات بقوة يجب علينا أن نتعلم فن الرد على تلكم الشبهات، حتى يبقى حصننا العقدي منيعاً شامخاً.
– العقيدة الإسلامية وأسسها، عبد الرحمن حبنكة، دار القلم، دمشق، سوريا، ط18، (1442هـ – 2021م). ص130
الشيخ الدكتور باسم عيتاني
هو الشيخ الدكتور باسم حسين عيتاني من مواليد بيروت – لبنان عام 196
حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 2005
من مشايخه: الشيخ محمد طه سكر والشيخ أديب الكلاس والشيخ ملا عبد العليم الزنكي والشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ عبد الرزاق الحلبي والشيخ د. مصطفى ديب البغا والشيخ د. وهبي الزحيلي ود. محمد الزحيلي وغيرهم رحمهم الله جميعا.
لديه العديد من الخبرات والتخصصات العلمية و الإدارية، وقد شغل مناصب علمية وإدارية في العديد من الجهات والمؤسسات العلمية والثقافية والإسلامية الحكومية وغير الحكومية في لبنان وخارجه من ذلك
Seekers Guidance – عضو في اللجنة العلمية في مؤسسة
التعليم المفتوح عبر الإنترنت حتى الآن
– عميد كلية الدعوة الجامعية للدراسات الإسلامية – الدراسات العليا عام 2021-2020
مدير دار إقرأ للعلوم الإسلامية 1998- 2018
مدرس للعديد من المواد و المناهج العلمية في الفقه و الأصول و العقيدة و التفسير .. ومناقش و مشرف على العديد من الرسائل
والاطاريح العلمية في الماجستير والدكتوراه في العديد من الجامعات و الكليات في لبنان له مؤلفات وأبحاث في مجال العلوم الإسلامية
أقوال الإمام زفر المعتمدة في المذهب الحنفي – الاجتهاد الجماعي سمو فكري في القرن 21 – العرف وأثره في الفقه الإسلامي
المشاركة في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية داخل لبنان وخارجه
اللغات : العربية: ممتاز الفرنسية: جيد الإنكليزية: وسط