ما حكم استخدام المال المكتسب من المعاملات الربوية في أغراض خيرية؟ هل التصدق به صحيح في الإسلام؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى

السؤال

ما حكم استخدام المال المكتسب من المعاملات الربوية في أغراض خيرية؟ هل التصدق به صحيح في الإسلام؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أخي السائل: الأصل أن المال المكتسب من المعاملات الربوية كسب خبيث محرم لا يحل الانتفاع به بأي وجه من الوجوه، لحرمة الربا في كتاب الله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ ‌الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275] وقال تعالى أيضاً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 278]  وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”لَعَنَ ‌اللهُ ‌آكِلَ ‌الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَشَاهِدَهُ، وَكَاتِبَهُ”.(1)

لكن لو ألجئتك الضرورة اليوم للتعامل بالربا، كإيداع المال في البنوك الربوية، فإن المال الربوي (الفائدة) الذي تحصل عليه بسبب هذا الإيداع، يبقى مالاً حراماً لا يجوز لك الانتفاع منه على نفسك ولا على من تلزمك نفقته بأي وجه من الوجوه، وفي نفس الوقت لا يصح أن تتركه للبنك الربوي يستفيد منه ويتقوى به، لهذا يجب أن تتصدق به، لأنه لا يُعلم من هم أصحاب هذا المال. قال ابن عابدين: ” المغصوب إن عَلِمْتَ أصحابَه أو ورثتهم وجب رده عليهم، وإلاَّ وجب التصدق به”. (2) ويصح أن تتصرف فيه بوجوه البر التي لا ترجع فائدتها عليك، كأن تعطيه لفقير لا تلزمك نفقته، أو تدفعه في الخدمات العامة وغير ذلك.

 ودفعك هذا المال الربوي للفقراء ليس لك فيه أجر الصدقة؛ لأنه مال خبيث، فطلب الثواب والأجر فيما فيه العقاب لا يكون ذلك إلا باعتقاد حلّه، واعتقاد حلّه لا يجوز، بل خطير على اعتقاد الشخص. (3)  وقد قال المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ ‌لَا ‌يَقْبَلُ ‌إِلَّا ‌طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟». (4)

وأخيراً: انتشر في أيامنا هذه البنوك التي يطلق عليها البنوك الإسلامية فعلى المسلم المضطر لإيداع ماله بالبنك، أن يختار الإسلامية منها، فهي أقل خطراً مقارنة بالربوية. والله تعالى أعلم

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


(1):  مسند أحمد (3725).
(2): ينظر: حاشية ابن عابدين (2/291).
(3): ينظر: حاشية ابن عابدين (2/292).
(4): صحيح مسلم (1015).

الشيخ أنس الموسى

هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول